والخل كالماء يبدي لي ضمائره ... مع الصفاء ويخفيها من الكدر
ولما كان الناهي هو الله، فكان هذا للنهي أهلا لأن يبعد منه غاية البعد، عبر بأداة التراخي فقال: ثم يعودون أي على سبيل الاستمرار لأنه إذا وقعت مرة بادروا إلى التوبة منها أو فلتة وقعت معفوا عنها لما نهوا عنه أي من غير أن يعدوا لما يتوقع من جهة الناهي من [ ص: 368 ] الضرر عدة ويتناجون أي يقبل جميعهم على المناجاة إقبالا واحدا، فيفعل كل منهم ما يفعله الآخر مرة بعد أخرى على سبيل الاستمرار، وقراءة " وينتجون " بصيغة الافتعال يدل على التعمد والمعاندة حمزة بالإثم [أي] بالشيء الذي يكتب عليهم به الإثم بالذنب وبالكذب وبما لا يحل. ولما ذكر المطلق أتبعه المقيد بالشدة فقال: والعدوان أي العدو الذي هو نهاية في قصد الشر بالإفراط في مجاوزة الحدود. ولما كان ذلك شرا في نفسه أتبعه الإشارة إلى أن الشيء يتغير وصفه بالنسبة إلى من يفعل معه فيكبر بكبر المعصي فقال: ومعصيت الرسول أي الذي جاء إليهم من الملك الأعلى، وهو كامل الرسلية، لكونه مرسلا إلى جميع الخلق وفي كل الأزمان، فلا نبي بعده، فهو لذلك يستحق غاية الإكرام.
ولما أنهى تعظيم الذنب إلى غايته آذن بالغضب بأن لفت الكلام إلى الخطاب فقال: وإذا جاءوك أيها الرسول الأعظم الذي يأتيه الوحي ممن أرسله ولم يغب أصلا عنه لأنه المحيط علما وقدرة حيوك أي واجهوك بما يعدونه تحية من قولهم: السام عليك ونحوه، وعم كل لفظ بقوله: بما لم يحيك به الله أي الملك الأعلى الذي لا أمر [ ص: 369 ] لأحد معه فمن تجاوز ما شرعه فقد عرض نفسه لسخطه، ومما دخل فيه ولما كان المشهور عنهم أنهم يخفون ذلك جهدهم ويعلنون بإملاء الله لهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يطلع عليه، وإن اطلع عليه لم يقدر على أن ينتقم منهم، عبر عن ذلك بقوله: قول بعض الناس لبعض "صباح الخير" ونحوه معرضا عن السلام. ويقولون أي عند الاستدراج بالإملاء مجددين قولهم مواظبين عليه في أنفسهم من غير أن يطلعوا عليه أحدا: لولا أي هلا ولم لا يعذبنا الله أي الذي له الإحاطة بكل شيء على زعم من باهانا بما نقول مجددين مع المواظبة إن كان يكرهه - كما يقول محمد صلى الله عليه وسلم.
ولما تضمن هذا علمه سبحانه وتعالى بهذه الجزئية من هؤلاء القوم فثبت بذلك علمه سبحانه بجميع ما في الكون، لأن نسبة الكل إليه على حد سواء، فإذا ثبت علمه بالبعض ثبت علمه بالكل [فثبتت قدرته على الكل] فكان على كل شيء شهيدا، [قال] مهددا لهم مشيرا إلى أنه لا ينبغي لأحد أن يقول مثل هذا إلا إن كان قاطعا بأنه لا يحصل له عذاب، أو يحصل له منه ما لا يبالي به ثم يرده بقوته: حسبهم أي كفايتهم في الانتقام منهم وفي عذابهم ورشقهم بسهام لهيبها ومنكأ شررها وتصويب صواعقها جهنم أي الطبقة التي تلقاهم بالتجهم والعبوسة والتكره والفظاظة. فإن حصل لهم في الدنيا عذاب كان [ ص: 370 ] زيادة على الكفاية، فاستعجالهم بالعذاب محض رعونة يصلونها أي يقاسون عذابها دائما فإني أعددتها لهم. ولما كان التقدير فإنهم [يصيرون] إليها ولا بد، تسبب عنه قوله: فبئس المصير أي مصيرهم، وسبب ذلك أن اليهود والمنافقين كانوا يتناجون فيما بينهم ينظرون إلى المؤمنين ويتغامزون يوهمونهم أنهم يتناجون فيما يسوءهم فيظنون أنه بلغهم شيء من إخوانهم الذين خرجوا في السرايا غزاة في سبيل الله من قتل أو هزيمة فيحزنهم ذلك، فشكوا [ذلك] إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاهم عن في هذه الحالة فلم ينتهوا، [و]روى أحمد والبزار والطبراني بإسناد - قال التناجي الهيثمي في المجمع إنه جيد لأن حمادا سمع من في حالة الصحة - عن عطاء بن السائب رضي الله عنهما عبد الله بن عمرو لولا يعذبنا الله بما نقول فنزلت. وروى أن اليهود كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: سام عليك. ثم يقولون في أنفسهم: عن أبو يعلى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عند ذلك: أنس " . إذا سلم عليكم أحد من أهل الكتاب فقولوا" وعليك