ولما دلت هذه الجملة على سوء أعمالهم ومداومتهم عليها، أكد ذلك بقوله: اتخذوا أي كلفوا فطرهم الأولى المستقيمة لما لهم من العراقة في اعوجاج الطبع والمحبة للأذى أيمانهم الكاذبة التي لا تهون على من في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان جنة أي وقاية وسترة من كل ما يفضحهم من النفاق كائنا ما كان، أو يوجب قتلهم بما يقع منهم من الكفران.
ولما كان علمهم بأنه يرضى منهم بالظاهر ويصدق أيمانهم هو الذي جرأهم على العظائم، فكانوا يرغبون الناس في النفاق بعاجل الشهوات [ ص: 389 ] ويثبطونهم عن الدين بما فيه من عاجل الكلف وآجل الثواب، سبب عن قبول إيمانهم قوله مظهرا بزيادة التوبيخ [لهم]: فصدوا أي كان قبول ذلك منهم وتأخير عقابهم سببا لإيقاعهم الصد عن سبيل الله أي شرع الملك الأعلى الذي هو الطريق إلى رضوانه الذي هو سبب الفوز الأعظم، فإنهم كانوا يثبطون من لقوا عن الدخول في الإسلام ويوهون أمره ويحقرونه، ومن رآهم قد خلصوا من المكاره بأيمانهم الحانثة [و]ردت عليهم الأرزاق استدراجا وحصلت لهم الرفعة عند الناس بما يرضونهم من أقوالهم المؤكدة بالأيمان غره ذلك فاتبع سنتهم في أقوالهم وأفعالهم، ونسج على منوالهم، غرورا بظاهر أمرهم، معرضا عما توعدهم الله سبحانه عليه من جزاء خداعهم ومكرهم، وأجرى الأمر على أسلوب التهكم باللام التي تكون في المحبوب فقال: فلهم أي فتسبب عن صدهم أنهم كان لهم عذاب مهين جزاء بما طلبوا بذلك الصد إعزاز أنفسهم وإهانة أهل الإسلام.