قال ( ومن رد الآبق على مولاه من مسيرة ثلاثة أيام فصاعدا فله عليه جعله أربعون درهما ، وإن رده لأقل من ذلك فبحسابه ) وهذا استحسان .
والقياس أن لا يكون له شيء إلا بالشرط وهو قول الشافعي رحمه الله تعالى لأنه متبرع بمنافعه فأشبه العبد الضال . [ ص: 135 ] ولنا أن الصحابة رضوان الله عليهم اتفقوا على وجوب أصل الجعل ، إلا أن منهم من أوجب أربعين ومنهم من أوجب ما دونها ، فأوجبنا الأربعين في مسيرة السفر وما دونها فيما دونه توفيقا وتلفيقا بينهما ، [ ص: 136 ] ولأن إيجاب الجعل أصله حامل على الرد إذ الحسبة نادرة فتحصل صيانة أموال الناس والتقدير بالسمع ولا سمع في الضال فامتنع ، ولأن الحاجة إلى صيانة الضال دونها إلى صيانة الآبق لأنه لا يتوارى والآبق يختفي ، ويقدر الرضخ في الرد عما دون السفر باصطلاحهما أو يفوض إلى رأي القاضي وقيل تقسم الأربعون على الأيام الثلاثة إذ هي أقل مدة السفر .
قال ( وإن كانت قيمته أقل من أربعين يقضى له بقيمته إلا درهما ) قال رضي الله عنه : وهذا قول محمد . وقال أبو يوسف رحمهما الله : له أربعون درهما ، لأن التقدير بها ثبت بالنص فلا ينقص عنها ولهذا [ ص: 137 ] لا يجوز الصلح على الزيادة ، بخلاف الصلح على الأقل لأنه حط منه .
ومحمد أن المقصود حمل الغير على الرد ليحيا مال المالك فينقص درهم ليسلم له شيء تحقيقا للفائدة ، وأم الولد والمدبر في هذا بمنزلة القن إذا كان الرد في حياة المولى لما فيه من إحياء ملكه ; ولو رد بعد مماته لا جعل فيهما لأنهما يعتقان بالموت بخلاف القن ، ولو كان الراد أبا المولى أو ابنه وهو في عياله أو أحد الزوجين على الآخر فلا جعل لأن هؤلاء يتبرعون بالرد عادة ولا يتناولهم إطلاق الكتاب . [ ص: 138 ] قال ( وإن أبق من الذي رده فلا شيء عليه ) لأنه أمانة في يده لكن هذا إذا أشهد وقد ذكرناه في اللقطة .
قال رضي الله عنه وذكر في بعض النسخ أنه لا شيء له ، وهو صحيح أيضا لأنه في معنى البائع من المالك ، ولهذا كان له أن يحبس الآبق حتى يستوفي الجعل بمنزلة البائع بحبس المبيع لاستيفاء الثمن ، وكذا إذا مات في يده لا شيء عليه لما قلنا . قال ( ولو أعتقه المولى كما لقيه صار قابضا بالإعتاق ) كما في العبد المشترى ، وكان إذا باعه من الراد لسلامة البدل له ، والراد وإن كان له حكم البيع . [ ص: 139 ] لكنه بيع من وجه فلا يدخل تحت النهي الوارد عن بيع ما لم يقبض فجاز .


