3497 [ ص: 208 ] 196 - حدثنا حدثنا موسى بن إسماعيل، عن أبو عوانة، عن حصين، قال: عمرو بن ميمون، رأيت رضي الله عنه قبل أن يصاب بأيام عمر بن الخطاب بالمدينة، وقف على حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف، قال: قال: انظرا أن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق. قال: قالا: لا، فقال كيف فعلتما؟ أتخافان أن تكونا قد حملتما الأرض ما لا تطيق؟ قالا: حملناها أمرا هي له مطيقة، ما فيها كبير فضل؟ لئن سلمني الله لأدعن أرامل عمر: أهل العراق لا يحتجن إلى رجل بعدي أبدا، قال: فما أتت عليه إلا رابعة حتى أصيب، قال: إني لقائم ما بيني وبينه إلا غداة أصيب، وكان إذا مر بين الصفين قال: استووا حتى إذا لم ير فيهن خللا تقدم فكبر، وربما قرأ سورة عبد الله بن عباس يوسف أو النحل أو نحو ذلك في الركعة الأولى حتى يجتمع الناس فما هو إلا أن كبر فسمعته يقول: قتلني - أو: أكلني - الكلب حين طعنه، فطار العلج بسكين ذات طرفين لا يمر على أحد يمينا ولا شمالا إلا طعنه، حتى طعن ثلاثة عشر رجلا مات منهم سبعة، فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنسا، فلما ظن العلج أنه مأخوذ نحر نفسه، وتناول يد عمر فقدمه، فمن يلي عبد الرحمن بن عوف فقد رأى الذي أرى، وأما نواحي المسجد فإنهم لا يدرون غير أنهم قد فقدوا صوت عمر وهم يقولون: سبحان الله، سبحان الله، فصلى بهم عمر، عبد الرحمن صلاة خفيفة، فلما انصرفوا قال: يا انظر من قتلني، فجال ساعة ثم جاء، فقال غلام ابن عباس، قال الصنع؟ قال: نعم. قال: قاتله الله، لقد أمرت به معروفا، الحمد لله الذي لم يجعل ميتتي بيد رجل يدعي الإسلام، قد كنت أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج المغيرة: بالمدينة، وكان أكثرهم رقيقا، فقال: إن شئت فعلت - أي: إن شئت قتلنا - قال: كذبت بعدما تكلموا بلسانكم، وصلوا قبلتكم، وحجوا حجكم، فاحتمل إلى بيته فانطلقنا معه، وكأن الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ، فقائل يقول: لا بأس، وقائل يقول: أخاف عليه، فأتي بنبيذ فشربه فخرج من جوفه، ثم أتي بلبن فشربه فخرج من جرحه، فعلموا أنه ميت فدخلنا عليه، وجاء الناس يثنون عليه، وجاء رجل شاب، فقال: أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقدم في الإسلام ما قد علمت، ثم وليت فعدلت، ثم شهادة، قال: وددت أن ذلك كفاف لا علي ولا لي، فلما أدبر إذا إزاره يمس الأرض، قال: ردوا علي الغلام. قال: ابن أخي ارفع ثوبك فإنه أبقى لثوبك وأتقى لربك، يا العباس انظر ما علي من الدين فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفا أو نحوه، قال: إن وفى له مال آل عبد الله بن عمر، فأده من أموالهم، وإلا فسل في عمر بني عدي بن كعب، فإن لم تف أموالهم فسل في قريش، ولا تعدهم إلى غيرهم، فأد عني هذا المال، انطلق إلى فقل: يقرأ عليك عائشة أم المؤمنين، السلام، ولا تقل: أمير المؤمنين؛ فإني لست اليوم [ ص: 209 ] للمؤمنين أميرا، وقل: يستأذن عمر أن يدفن مع صاحبيه، فسلم واستأذن، ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي، فقال: يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام، ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه، فقالت: كنت أريده لنفسي ولأوثرنه به اليوم على نفسي، فلما أقبل قيل: هذا عمر بن الخطاب قد جاء. قال: ارفعوني، فأسنده رجل إليه، فقال: ما لديك؟ قال: الذي تحب يا أمير المؤمنين، أذنت. قال: الحمد لله، ما كان من شيء أهم إلي من ذلك، فإذا أنا قضيت فاحملوني، ثم سلم فقل يستأذن عبد الله بن عمر فإن أذنت لي فأدخلوني، وإن ردتني ردوني إلى مقابر المسلمين، وجاءت أم المؤمنين عمر بن الخطاب، والنساء تسير معها، فلما رأيناها قمنا فولجت عليه، فبكت عنده ساعة، واستأذن الرجال فولجت داخلا لهم، فسمعنا بكاءها من الداخل، فقالوا: أوص يا أمير المؤمنين، استخلف، قال: ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر أو الرهط الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فسمى حفصة عليا، وعثمان، والزبير، وطلحة، وسعدا، وعبد الرحمن، وقال: يشهدكم وليس له من الأمر شيء كهيئة التعزية له، فإن أصابت الإمرة عبد الله بن عمر، سعدا فهو ذاك، وإلا فليستعن به أيكم ما أمر؛ فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة، وقال أوصي الخليفة من بعديبالمهاجرين الأولين أن يعرف لهم حقهم، ويحفظ لهم حرمتهم، وأوصيه بالأنصار خيرا الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم أن يقبل من محسنهم، وأن يعفى عن مسيئهم، وأوصيه بأهل الأمصار خيرا؛ فإنهم ردء الإسلام، وجباة المال، وغيظ العدو، وأن لا يؤخذ منهم إلا فضلهم عن رضاهم، وأوصيه بالأعراب خيرا؛ فإنهم أصل العرب، ومادة الإسلام أن يؤخذ من حواشي أموالهم وترد على فقرائهم، وأوصيه بذمة الله وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوفى لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، ولا يكلفوا إلا طاقتهم، فلما قبض خرجنا به فانطلقنا نمشي، فسلم قال: يستأذن عبد الله بن عمر، قالت: أدخلوه فأدخل فوضع هنالك مع صاحبيه، فلما فرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط، فقال عمر بن الخطاب، عبد الرحمن: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم، فقال قد جعلت أمري إلى الزبير: علي، فقال قد جعلت أمري إلى طلحة: عثمان، وقال سعد: قد جعلت أمري إلى فقال عبد الرحمن بن عوف، عبد الرحمن: أيكما تبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه، والله عليه والإسلام لينظرن أفضلهم في نفسه فأسكت الشيخان، فقال عبد الرحمن: أفتجعلونه إلي، والله علي أن لا آلو عن أفضلكم، قالا: نعم، فأخذ بيد أحدهما، فقال: لك قرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقدم في الإسلام ما قد علمت، فالله عليك لئن أمرتك لتعدلن، ولئن أمرت عثمان لتسمعن ولتطيعن ثم خلا بالآخر، فقال له مثل ذلك، فلما أخذ الميثاق قال: عثمان، فبايعه فبايع له ارفع يدك يا علي، وولج أهل الدار فبايعوه.
[ ص: 210 ]