2305 ص: وقالوا: ليس في هذه الآثار ما يدل على خلاف ما قلنا ; وذلك أنكم رويتم أن النبي - عليه السلام - أمر الذي صلى خلف الصف أن يعيد الصلاة، فقد يجوز أن يكون أمره بذلك لأنه صلى خلف الصف، ويجوز أن يكون أمره بذلك لمعنى آخر كما أمر النبي - عليه السلام - الذي دخل المسجد فصلى أن يعيد الصلاة، ثم أمره أن يعيدها حتى فعل مرارا في حديث رفاعة وأبي هريرة - رضي الله عنهما -، فلم يكن ذلك لأنه دخل المسجد فصلى ولكنه لمعنى غير ذلك وهو تركه إصابة فرائض الصلاة فيحتمل أيضا ما رويتم من أمر النبي - عليه السلام - الرجل الذي صلى خلف الصف أن يعيد الصلاة لا لأنه صلى خلف الصف ولكن لمعنى آخر كان منه في الصلاة، وفي حديث علي بن شيبان معنى زيادة على المعنى الذي في حديث وابصة، وذلك أنه قال: "صلينا خلف رسول الله - عليه السلام -، فقضى صلاته ورجل فرد يصلي خلف الصف، فقام عليه نبي الله - عليه السلام - حتى قضى صلاته، ثم قال: استقبل فإنه لا صلاة لفرد خلف الصف".
ففي هذا الحديث أنه أمره أن يعيد وقال: "لا صلاة لفرد خلف الصف" فيحتمل أن يكون أمره إياه بإعادة الصلاة كان للمعنى الذي وصفنا في حديث وابصة.
[ ص: 194 ] وأما قوله: "لا صلاة لفرد خلف الصف" فيحتمل أن يكون ذلك كقوله: "لا وضوء لمن لم يسم الله"، وكالحديث الآخر: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد" وليس ذلك على أنه إذا صلى كذلك كان في حكم من لم يصل، ولكنه قد صلى صلاة مجزئة، ولكنها ليست متكاملة الأسباب في الفرائض والسنن ; لأن من سنة الصلاة مع الإمام اتصال الصفوف وسد الفرج هكذا ينبغي للمصلي خلف الإمام أن يفعل، فإن قصر عن ذلك فقد أساء وصلاته مجزئة ولكنها ليست بالصلاة المتكاملة في فرائضها وسننها، فقيل لذلك: لا صلاة له. أي: لا صلاة له متكاملة كما قال - عليه السلام -: "ليس المسكين بالذي ترده التمرة والتمرتان ولكن المسكين الذي لا يعرف فيتصدق عليه ولا يسأل الناس". فكان معنى قوله: "ليس المسكين بالذي ترده التمرة والتمرتان" إنما معناه: ليس هو بالمسكين المتكامل في المسكنة ; إذ هو يسأل فيعطى ما يقوته ويواري عورته، ولكن المسكين: الذي لا يسأل الناس ولا يعرفونه فيتصدقون عليه، فنفى في هذا الحديث من كان مسكينا غير متكامل أسباب المسكنة أن يكون مسكينا، فيحتمل أن يكون أيضا إنما نفى بقوله: "لا صلاة لمن صلى خلف الصف وحده" أن يكون مصليا ; لأنه غير متكامل أسباب الصلاة وهو مصل صلاة تجزئه.


