الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2221 ص: وخالف ذلك آخرون، فقالوا: لا بأس بالصلاة في ثوب واحد.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي خالف الحكم المذكور الذي ذهب إليه القوم المذكورون جماعة آخرون، وأراد بهم: الحسن البصري ومحمد بن سيرين والشعبي وسعيد بن المسيب وأبا سلمة بن عبد الرحمن ومحمد بن الحنفية وعطاء بن أبي رباح وعكرمة وأبا حنيفة والشافعي ومالكا وأحمد وإسحاق وجمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين ; فإنهم قالوا: لا بأس بالصلاة في ثوب واحد، ويروى ذلك عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وابن عباس وعلي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وأنس بن مالك وخالد بن الوليد وجابر بن عبد الله وعمار بن ياسر وأبي بن كعب وعائشة وأسماء وأم هانئ - رضي الله عنهم -.

                                                وقال ابن عبد البر: وروي عن جابر وابن عمر وابن عباس ومعاوية وسلمة بن الأكوع وأبي أمامة وطاوس ومجاهد وإبراهيم وجماعة من التابعين أنهم أجازوا الصلاة في القميص الواحد إذا كان لا يصفو، وهو قول عامة فقهاء الأمصار في جميع الأقطار، ومن العلماء من استحب الصلاة في ثوبين، وأجمع [ ص: 95 ] جميعهم أن صلاة من صلى بثوب واحد يستر عورته جائزة، وكان الشافعي يقول: إذا كان الثوب ضيقا يزره أو يخلله بشيء لئلا يتجافى القميص فترى من الجيب العورة، فإن لم يفعل ورأيت عورته أعاد الصلاة، وهو قول أحمد، وقد رخص مالك في الصلاة في القميص محلول الإزرار ليس عليه سراويل وهو قول أبي حنيفة وأبي ثور، وكان سالم يصلي محلول الإزرار، وقال داود الطائي: إذا كان عظيم اللحية فلا بأس به، وحكى معناه الأثرم عن أحمد .

                                                وقال ابن التين: لا خلاف بين العلماء أن المصلي إذا تقلص مئزره أو كشفت الريح ثوبه وظهرت عورته ثم رجع الثوب في حينه وفوره أنه لا يضر ذلك المصلي شيئا، وكذلك المأموم إذا رأى من العورة مثل ذلك، إنما يحرم النظر مع العمد ولا يحرم النظر فجأة، وإن صحت صلاة الإمام فأحرى أن تصح صلاة المأموم، وقال ابن القاسم: إن فرط في رد إزاره فصلاته وصلاة من تأمل عورته باطلة.

                                                وعن سحنون: إن رفع الريح ثوب الإمام فانكشف عن دبره فأخذه مكانه أجزأه ويعيد كل من نظر إلى عورته ممن خلفه ولا شيء على من لم ينظر. وروي عنه أيضا: أن صلاته وصلاة من خلفه باطلة وإن أخذه مكانه.

                                                وعن الشافعي: لو انكشف شيء من العورة في الصلاة بطلت صلاته، ولا يعفى عن شيء منها ولو شعرة من رأس الحرة أو ظفرها، وعند أحمد: يعفى عن القليل ولم يحده.

                                                وفي بعض شروح "الهداية": الانكشاف القليل عندنا لا يمنع، وكذا الكثير في الزمن القليل وهو أن لا يؤدي فيه ركنا من أركان الصلاة، حتى لو انكشفت عورته في الصلاة فغطاها في الحال لا تفسد صلاته، وإذا أدى ركنا فسدت ولا يصح شروعه في الصلاة مع الانكشاف.

                                                [ ص: 96 ] وذكر ابن شجاع: أن من نظر في زنقة فرجه لم تصح صلاته. وفي "نوادر هشام": وإذا كان قميصه محلول الجيب فانفتح حتى رأى عورة نفسه بطلت صلاته، قال: وإن لم ينظر فإن التزق الثوب بصدره حتى لا يراها لو نظر لا تفسد، فعلى هذه الرواية جعل سترها شرطا من نفسه، وعامة أصحابنا جعلوا الستر شرطا عن غيره لا عن نفسه ; لأنها ليست عورة في حق نفسه، وبالأول قال الشافعي وأحمد، وروى ابن شجاع نصا عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه لو كان محلول الجيب فنظر إلى عورة نفسه لا تفسد صلاته، ولو نظر المصلي إلى عورة غيره لا تفسد صلاته عند أبي حنيفة قال المرغيناني: وهو قولهما، ولو صلى في قميص واحد لا يري أحد عورته، لكن لو نظر إنسان من تحته رأى عورته فهذا ليس بشيء، والثوب الرقيق الذي لا يصفو ما تحته لا يجوز الصلاة فيه، وهو قول الشافعي وأحمد .




                                                الخدمات العلمية