الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2259 ص: وقد رويت عن أصحابه في ذلك آثار منها: ما حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا مسدد، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا عبد الرحمن بن إسحاق ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد: "أن رجالا من المسلمين كانوا يشهدون الصلاة مع رسول الله - عليه السلام - عاقدين ثيابهم في رقابهم ما على أحدهم إلا ثوب واحد".

                                                حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا خطاب بن عثمان، قال: ثنا محمد بن حمير، قال: ثنا ثابت بن العجلان، قال: ثنا أبو عامر سليم الأنصاري: "أنه صلى مع أبي بكر - رضي الله عنه - في خلافته سبعة أشهر، فرأى أكثر من يصلي معه من الرجال في ثوب واحد -يدعى برد- ليس عليهم غيره".

                                                [ ص: 128 ] حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم قال: "صلى بنا خالد بن الوليد - رضي الله عنه - يوم اليرموك في ثوب واحد قد خالف بين طرفيه".

                                                حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا شعبة ، عن الحكم ، عن قيس بن أبي حازم قال: "أمنا خالد بن الوليد - رضي الله عنه - يوم اليرموك في ثوب واحد قد خالف بين طرفيه، وخلفه أصحاب محمد - عليه السلام -".

                                                ففيما روينا عمن ذكرنا من أصحاب النبي - عليه السلام - من الصلاة في الثوب الواحد ما يضاد ما روينا عن عمر - رضي الله عنه -، ثم قد ثبت عن النبي - عليه السلام - في الآثار المتقدمة ما قد وافق ذلك، فذلك أولى أن يؤخذ به مما روي عن عمر - رضي الله عنه -، وهذا -الذي صححنا- قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي قد رويت عن أصحاب رسول الله - عليه السلام - في الصلاة في ثوب واحد آثار، منها -أي من الآثار- ما أخرجه عن أبي بكرة بكار ، عن مسدد بن مسرهد شيخ البخاري وأبي داود ، عن بشر بن المفضل بن لاحق البصري ، عن عبد الرحمن بن إسحاق بن عبد الله بن الحارث المدني ، عن أبي حازم -بالحاء المهملة والزاي المعجمة- سلمة بن دينار ، عن سهل بن سعد الساعدي الأنصاري الصحابي - رضي الله عنه -.

                                                وأخرجه البخاري: ثنا مسدد، ثنا يحيى ، عن سفيان، قال: حدثني أبو حازم ، عن سهل بن سعد قال: "كان رجال يصلون مع النبي - عليه السلام - عاقدي أزرهم على أعناقهم كهيئة الصبيان، ويقال للنساء: لا ترفعن رءوسكن حتى يستوي الرجال جلوسا".

                                                [ ص: 129 ] وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي .

                                                قوله: "عاقدي ثيابهم" أصله: عاقدين، سقطت النون للإضافة، ونصبه على الحال.

                                                ومنها: ما أخرجه عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن خطاب بن عثمان الطائي الفوزي شيخ البخاري ، عن محمد بن حمير -بكسر الحاء وسكون الميم وفتح الياء آخر الحروف وفي آخره راء- بن أنيس القضاعي روى له البخاري والنسائي وابن ماجه ، عن ثابت بن عجلان الأنصاري الحمصي روى له هؤلاء أيضا، عن أبي عامر سليم -بضم السين- الشامي، وثقه ابن حبان .

                                                وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه": عن محمد بن عمرو الأسلمي، قال: أنا الضحاك بن عثمان ، عن حبيب مولى عروة، قال: سمعت أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنها - تقول: "رأيت أبي يصلي في ثوب واحد، فقلت: يا أبه، تصلي في ثوب واحد وثيابك موضوعة؟! فقال: يا بنية إن آخر صلاة صلاها رسول الله - عليه السلام - في ثوب واحد".

                                                ومنها ما أخرجه عن خالد بن الوليد - رضي الله عنه - من طريقين صحيحين:

                                                الأول: عن أبي بكرة بكار ، عن مؤمل بن إسماعيل ، عن سفيان الثوري ، عن إسماعيل بن أبي خالد هرمز -وقيل: سعد، وقيل: كثير- الكوفي روى له الجماعة، عن قيس بن أبي حازم حصين بن عوف البجلي الأحمسي أبي عبد الله الكوفي، أدرك الجاهلية وهاجر إلى النبي - عليه السلام - ليبايعه فقبض وهو في الطريق، وقيل: إنه رآه وهو يخطب، ولم يثبت ذلك، وأبو حازم له صحبة، روى له الجماعة.

                                                [ ص: 130 ] وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه": عن أبي الأحوص ، عن طارق ، عن قيس بن أبي حازم قال: "كان خالد بن الوليد - رضي الله عنه - يخرج فيصلي بالناس في ثوب واحد".

                                                والثاني: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي شيخ البخاري ، عن شعبة ، عن الحكم بن عتيبة ، عن قيس بن أبي حازم .

                                                وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه": ثنا غندر ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن قيس بن أبي حازم قال: "صلى بنا خالد بن الوليد في ثوب واحد في الوفود، وقد خالف بين طرفيه، وخلفه أصحاب رسول الله - عليه السلام -".

                                                قوله: "يوم اليرموك" بفتح الياء آخر الحروف وسكون الراء وضم الميم وفي آخره كاف.

                                                قال الجوهري: يرموك: موضع بناحية الشام. وقال غيره: هو نهر، وكانت عليه الوقعة بين الصحابة والروم في زمن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -.

                                                وذكر سيف بن عمر أن وقعة اليرموك كانت في سنة ثلاث عشرة من الهجرة قبل فتح دمشق، وتبعه على ذلك ابن جرير الطبري .

                                                وقال محمد بن إسحاق: كانت في رجب سنة خمس عشرة.

                                                ونقل ابن عساكر عن أبي عبيد وابن لهيعة والليث وأبي معشر أنها كانت في سنة خمس عشرة بعد فتح دمشق.

                                                وقال ابن الكلبي: كانت وقعة اليرموك يوم الاثنين لخمس مضين من رجب سنة خمس عشرة.

                                                [ ص: 131 ] وقال ابن عساكر: وهذا هو المحفوظ، وما قاله سيف من أنها قبل فتح دمشق سنة ثلاث عشرة، فلم يتابع عليه، والله أعلم.

                                                قوله: "ما يضاد" في محل الرفع على الابتداء، وخبره قوله: "ففيما روينا".

                                                وقوله: "ما روينا عن عمر" مفعول "يضاد".

                                                قوله: "فذلك أولى" أي الذي روينا عن الصحابة والذي ثبت عن النبي - عليه السلام - أولى وأحق أن يؤخذ به مما روي عن عمر - رضي الله عنه - الذي مضى ذكره في أول الباب ; وذلك لتواتر الروايات عن النبي - عليه السلام - ثم من بعده من الصحابة في إباحة الصلاة في الثوب الواحد، فصار كالإجماع على هذا الحكم.

                                                وقال الطحاوي: صلاة النبي - عليه السلام - في الثوب الواحد في حال وجود غيره من الأخبار المتواترة.

                                                [ ص: 132 ]



                                                الخدمات العلمية