الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2402 ص: حدثنا أبو بكرة ، قال: ثنا روح بن عبادة، قال: ثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن أبي نضرة : "أن فتى سأل عمران بن حصين عن صلاة رسول الله - عليه السلام - في السفر، فعدل إلى مجلس العوقة فقال: إن هذا الفتى سألني عن صلاة رسول الله - عليه السلام - في السفر فاحفظوها عني، ما سافر رسول الله - عليه السلام - سفرا إلا صلى ركعتين حتى يرجع، وإنه أقام بمكة زمن الفتح ثمان عشرة يصلي ركعتين، ثم قال: يا أهل مكة، قوموا فصلوا ركعتين أخراوين ; فإنا قوم سفر. ثم غزا حنين والطائف فصلى ركعتين ركعتين، ثم رجع إلى الجعرانة فاعتمر منها في ذي القعدة، ثم غزوت مع أبي بكر - رضي الله عنه - وحججت واعتمرت، فصلى ركعتين ركعتين، ومع عمر - رضي الله عنه - فصلى ركعتين ركعتين، ومع عثمان - رضي الله عنه - صدرا من إمارته فصلى ركعتين ركعتين، ثم إن عثمان - رضي الله عنه - بعد ذلك صلى أربعا بمنى".

                                                [ ص: 339 ]

                                                التالي السابق


                                                [ ص: 339 ] ش: رجاله ثقات، غير أن علي بن زيد بن جدعان البصري المكفوف فيه مقال ; فعن أحمد : ليس بالقوي. وعن يحيى: ضعيف، وعنه: ليس بحجة. وقال العجلي: كان يتشيع، لا بأس به. وقال الجوزجاني: واهي الحديث، ضعيف، فيه ميل عن القصد، لا يحتج بحديثه. روى له مسلم -مقرونا بثابت البناني- والأربعة.

                                                وأبو نضرة -بفتح النون وسكون الضاد المعجمة اسمه- المنذر بن مالك العبدي ثم العوقي البصري روى له الجماعة البخاري مستشهدا.

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده": ثنا عفان، نا حماد بن سلمة ، أنا علي بن زيد ، عن أبي نضرة . . . إلى آخره نحوه.

                                                ثم قال: وحدثنا يونس بن محمد بهذا الحديث وزاد فيه: "إلا المغرب، ثم يقول: يا أهل مكة قوموا. . . " إلى آخره نحوه.

                                                وأخرجه أبو داود مختصرا: نا موسى بن إسماعيل، نا حماد .

                                                وحدثنا إبراهيم بن موسى، أنا ابن علية -وهذا لفظه- أنا علي بن زيد ، عن أبي نضرة ، عن عمران بن حصين قال: "غزوت مع رسول الله - عليه السلام -، وشهدت معه الفتح، فأقام بمكة ثمان عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين، يقول: يا أهل البلد، صلوا أربعا فإنا سفر"

                                                وأخرجه الترمذي : نا أحمد بن منيع ، قال: نا هشيم، قال: أنا علي بن زيد بن جدعان ، عن أبي نضرة قال: "سئل عمران بن حصين عن صلاة المسافر، فقال: حججت مع رسول الله - عليه السلام - فصلى ركعتين، وحججت مع [ ص: 340 ] أبي بكر - رضي الله عنه - فصلى ركعتين، ومع عمر - رضي الله عنه - فصلى ركعتين، ومع عثمان - رضي الله عنه -ست سنين من خلافته أو ثمان سنين- فصلى ركعتين".

                                                قال: أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.

                                                ورواه الطبراني في "معجمه"، وابن أبي شيبة في "مصنفه"، وإسحاق بن راهويه ، والطيالسي ، والبزار في "مسانيدهم".

                                                قوله: "إلى مجلس العوقة" أي إلى مجلس فيه عوقة وهم بطن من عبد القيس، وهو بفتح العين المهملة والواو والقاف.

                                                قوله: "فإنا قوم سفر " بفتح السين وسكون الفاء جمع سافر كصحب جمع صاحب ويجمع على أسفار أيضا، والسفر والمسافرون بمعنى واحد.

                                                قوله: "ثم غزا حنين" وهو موضع يذكر ويؤنث، فإن قصدت به البلد والموضع ذكرته وصرفته كقوله تعالى: ويوم حنين وإن قصدت به البلدة أو البقعة أنثته ولم تصرفه، وقال أهل السيرة: حنين واد بينه وبين مكة ثلاثة أميال.

                                                وغزوة حنين هي غزوة هوازن، وكانت بعد الفتح في خامس شوال سنة ثمان من الهجرة، وكان الفتح لعشر بقين من شهر رمضان قبل خروجه - عليه السلام - إليهم بخمس عشرة ليلة، وكانت غزوة الطائف بعد فراغه - عليه السلام - من حنين.

                                                قوله: "إلى الجعرانة " عمرة الجعرانة: كانت في ذي القعدة بعد غزوة الطائف، وقسم غنائم حنين في السنة الثامنة من الهجرة، والجعرانة: موضع قريب من [ ص: 341 ] مكة، وهي من الحل، وميقات للإحرام، وهي بتسكين العين والتخفيف في الراء، وقد تكسر العين وتشدد الراء.

                                                وبهذا الحديث استدل أصحابنا أن المسافر لا يزال على حكم السفر حتى ينوي الإقامة في بلد أو قرية خمسة عشر يوما أو أكثر، وإن نوى أقل من ذلك قصر، فإن قيل: استدلالكم بهذا لا يتم.

                                                قلت: استدلالنا بهذا أن المسافر إذا دخل بلدا أو قرية لا يزال على حكم السفر ما لم ينو الإقامة.

                                                وأما تعيين المدة بخمسة عشر يوما، فلما روى الطحاوي عن ابن عباس ، وابن عمر - رضي الله عنهم - قالا: "إذا قدمت بلدة وأنت مسافر، وفي نفسك أن تقيم خمسة عشر ليلة فأكمل الصلاة بها، وإن كنت لا تدري متى تظعن فاقصرها".

                                                وبما روى ابن أبي شيبة في "مصنفه": عن وكيع ، عن عمر بن ذر ، عن مجاهد : "أن ابن عمر - رضي الله عنهما - كان إذا أجمع على إقامة خمسة عشر يوما ; أتم الصلاة".

                                                وبما رواه محمد بن الحسن في كتابه "الآثار": عن أبي حنيفة ، عن موسى بن مسلم ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمر قال: "إذا كنت مسافرا فوطنت نفسك على إقامة خمسة عشر يوما فأتمم الصلاة، وإن كنت لا تدري فأقصر".




                                                الخدمات العلمية