11367 [ ص: 46 ] 5129 - (11776) - (3\82) عن أبي سعيد الخدري، قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن صياد وهو يلعب مع الغلمان، قال: " أتشهد أني رسول الله؟ " قال هو: أتشهد أني رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قد خبأت لك خبيئا " قال: دخ. قال: " اخسأ، فلن تعدو قدرك " .

التالي السابق

الشرح

* قَوْلُهُ : " قَدْ خَبَّأْتُ لَكَ " : أَيْ: أَضْمَرْتُ لَكَ.

* " خَبِيئًا " : أَيِ: الشَّيْءَ الْمُضْمَرَ الْمَسْتُورَ، وَكَانُوا يُضْمِرُونَ لِلْكَهَنَةِ.

* " قَالَ: دُخٌّ " : الْمَشْهُورُ أَنَّهُ - بِضَمِّ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْخَاءِ - ، وَقِيلَ: يَجُوزُ - فَتْحُ الدَّالِ - بِمَعْنَى: الدُّخَانِ، قَالُوا: إِنَّهُ أَضْمَرَ لَهُ قَوْلَهُ تَعَالَى: يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ [الدُّخَانُ: 10]، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَمَامِ الْآيَةِ، وَلَا عَلَى تَمَامِ لَفْظَةٍ مِنْهَا، بَلْ أَتَى بِلَفْظَةٍ نَاقِصَةٍ عَلَى عَادَةِ الْكَهَنَةِ.

قُلْتُ: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ بِتَخْفِيفِ الْخَاءِ كَمَا لَا يَخْفَى.

فَإِنْ قُلْتُ: كَيْفَ اطَّلَعَ هُوَ أَوْ شَيْطَانُهُ عَلَى بَعْضِ مَا فِي الضَّمِيرِ؟

أُجِيبُ: بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكَلَّمَ بِهِ فِي نَفْسِهِ، أَوْ ذَكَرَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ بِذَلِكَ، فَاسْتَرَقَ الشَّيْطَانُ بَعْضَ ذَلِكَ.

قُلْتُ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ جَرَى ذِكْرُهُ فِي السَّمَاءِ، فَاسْتَرَقَ الشَّيْطَانُ مِنْ هُنَاكَ كَسَائِرِ الْأُمُورِ الَّتِي يُخْبِرُ بِهَا الْكَهَنَةَ.

* " اخْسَأْ " : كَلِمَةٌ تُسْتَعْمَلُ عِنْدَ طَرْدِ الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ; أَيِ: اسْكُتْ وَابْعُدْ صَاغِرًا مَطْرُودًا.

* " فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ " : فَلَنْ تَتَجَاوَزَ مَرْتَبَتَكَ الَّتِي هِيَ مَرْتَبَةُ الْكَهَنَةِ إِلَى مَرْتَبَةِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ.

[ ص: 47 ] قِيلَ: إِنَّمَا تَرَكَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَنَّهُ ادَّعَى النُّبُوَّةَ كَاذِبًا; لِأَنَّهُ كَانَ صَغِيرًا، أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ مَنْ يَهُودٍ، وَكَانَ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَهُمْ صُلْحٌ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ.

* * *

* قوله : " قد خبأت لك " : أي: أضمرت لك.

* " خبيئا " : أي: الشيء المضمر المستور، وكانوا يضمرون للكهنة.

* " قال: دخ " : المشهور أنه - بضم الدال وتشديد الخاء - ، وقيل: يجوز - فتح الدال - بمعنى: الدخان، قالوا: إنه أضمر له قوله تعالى: يوم تأتي السماء بدخان [الدخان: 10]، فلم يقدر على تمام الآية، ولا على تمام لفظة منها، بل أتى بلفظة ناقصة على عادة الكهنة.

قلت: وهذا يقتضي أنه بتخفيف الخاء كما لا يخفى.

فإن قلت: كيف اطلع هو أو شيطانه على بعض ما في الضمير؟

أجيب: باحتمال أنه صلى الله عليه وسلم تكلم به في نفسه، أو ذكر بعض الصحابة بذلك، فاسترق الشيطان بعض ذلك.

قلت: والأظهر أنه جرى ذكره في السماء، فاسترق الشيطان من هناك كسائر الأمور التي يخبر بها الكهنة.

* " اخسأ " : كلمة تستعمل عند طرد الكلب ونحوه; أي: اسكت وابعد صاغرا مطرودا.

* " فلن تعدو قدرك " : فلن تتجاوز مرتبتك التي هي مرتبة الكهنة إلى مرتبة النبوة والرسالة.

[ ص: 47 ] قيل: إنما تركه صلى الله عليه وسلم مع أنه ادعى النبوة كاذبا; لأنه كان صغيرا، أو لأنه كان من يهود، وكان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبينهم صلح في تلك الأيام.

* * *