باب كيف يعدل الصيام
( قال ) رحمه الله تعالى { الشافعي أو عدل ذلك صياما } الآية ، أخبرنا سعيد عن أنه [ ص: 203 ] قال ابن جريج ما قوله { لعطاء أو عدل ذلك صياما } ؟ قال إن أصاب ما عدله شاة فصاعدا أقيمت الشاة طعاما ثم جعل مكان كل مد يوما يصومه .
( قال ) وهذا إن شاء الله كما قال الشافعي وبه أقول وهكذا بدنة إن وجبت وهكذا مد إن وجب عليه في قيمة شيء من الصيد صام مكانه يوما وإن عطاء صام يومين وهكذا كل ما لم يبلغ مدا صام مكانه يوما أخبرنا أصاب من الصيد ما قيمته أكثر من مد وأقل من مدين عن مسلم عن ابن جريج هذا المعنى . عطاء
( قال ) فإن قال قائل فمن أين قلت مكان المد صيام يوم وما زاد على مد مما لا يبلغ مدا آخر صوم يوم ؟ قلت قلته معقولا وقياسا ، فإن قال : فأين القياس به والمعقول فيه ؟ قلت أرأيت إذا لم يكن لمن قتل جرادة أن يدع أن يتصدق بقيمتها ثمرة أو لقمة ; لأنها محرمة مجزية لا تعطل بقلة قيمتها ثم جعل فيها قيمتها فإذا بدا له أن يصوم هل يجد من الصوم شيئا يجزيه أبدا أقل من يوم ؟ فإن قال : لا ، قلت فبذلك عقلنا أن أقل ما يجب من الصوم يوم وعقلنا وقسنا أن الطلاق إذا كان لا يتبعض فأوقع إنسان بعض تطليقة لزمته تطليقة ، وعقلنا أن عدة الأمة إذا كانت نصف عدة الحرة فلم تتبعض الحيضة نصفين فجعلنا عدتها حيضتين . الشافعي
باب الخلاف في عدل الصيام والطعام
أخبرنا الربيع قال ( قال ) رحمه الله قال لي بعض الناس : إذا صام عن جزاء الصيد صام عن كل مد يوما ، وإذا أطعم منه في كفارة اليمين أطعم كل مسكين مدين وقال هل رويت في هذا عن أصحابك شيئا يوافق قولنا ويخالف قولك ؟ قلت نعم أخبرنا الشافعي سعيد عن أن ابن جريج كان يقول مكان كل مدين يوما فقال : وكيف لم تأخذ بقول مجاهدا وأخذت بقول مجاهد يطعم المسكين حيث وجب إطعامه مدا إلا في فدية الأذى فإنك قلت يطعمه مدين ولم لم تقل إذ قلت في فدية الأذى يطعمه مدين في كل موضع ؟ . عطاء
( قال ) فقلت له يجمع بين مسألتيك جواب واحد إن شاء الله قال فاذكره . الشافعي
( قال ) أصل ما ذهبنا إليه نحن وأنت ومن نسبناه معنا إلى الفقه فالفرض عليه في تأدية ما يجب عليه من أن لا يقول إلا من حيث يعلم ويعلم أن أحكام الله جل ثناؤه ثم أحكام رسوله من وجهين يجمعهما معا أنهما تعبد ثم في التعبد وجهان فمنه تعبد لأمر أبان الله - عز وجل - أو رسوله سببه فيه أو في غيره من كتابه أو سنة رسوله فذلك الذي قلنا به وبالقياس فيما هو في مثل معناه ومنه ما هو تعبد لما أراد الله عز شأنه مما علمه وعلمنا حكمه ولم نعرف فيه ما عرفنا مما أبان لنا في كتابه أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم فأدينا الفرض في القول به والانتهاء إليه ، ولم نعرف في شيء له معنى فنقيس عليه الشافعي
وإنما قسنا على ما عرفنا ولم يكن لنا علم إلا ما علمنا الله جل ثناؤه فقال :
هذا كله كما وصفت لم أسمع أحدا من أهل التكشيف قال بغيره فقفني منه على أمر أعرفه فإن أصحابنا يعطون هذه الجملة كما وصفت لا يغادرون منها حرفا وتختلف أقاويلهم إذا فرعوا عليها فقلت فأقبل منهم الصواب وأرد عليهم الغفلة قال : إن ذلك للازم لي وما يبرأ آدمي رأيته من غفلة طويلة ولكن أنصب لما قلت مثالا فقلت : أرأيت إذ حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة قلنا وقلت قيمتها خمسون دينارا وهو لو كان حيا كانت فيه ألف دينار أو ميتا لم يكن فيه شيء وهو لا يخلو أن يكون ميتا أو حيا فكان مغيب [ ص: 204 ] المعنى يحتمل الحياة والموت إذا جنى عليه فهل قسنا عليه ملففا أو رجلا في بيت يمكن فيهما الموت والحياة وهما مغيبا المعنى ؟
قال : لا ، قلت ولا قسنا عليه شيئا من الدماء ؟ قال : لا قلت ولم ؟ قال : لأنا تعبدنا بطاعة النبي صلى الله عليه وسلم فيه ولم نعرف سبب ما حكم له به قلت فهكذا قلنا في المسح على الخفين لا يقاس عليهما عمامة ولا برقع ولا قفازان قال وهكذا قلنا فيه ; لأن فيه فرض وضوء وخص منه الخفان خاصة فهو تعبد لا قياس عليه قلت وقسنا نحن وأنت إذ قضى النبي صلى الله عليه وسلم أن الخراج بالضمان أن الخدمة كالخراج قال : نعم قلت : لأنا عرفنا أن الخراج حادث في ملك المشتري وضمنه منه ولم تقع عليه صفقة البيع قال : نعم ، وفي هذا كفاية من جملة ما أردت ودلالة عليه من أن سنة مقيس عليها وأخرى غير مقيس عليها ، وكذلك القسامة لا يقاس عليها غيرها ولكن أخبرني بالأمر الذي له اخترت أن لكل مسكين مدا إلا في فدية الأذى إذا ترك الصوم فإما أن يصوم مكان كل مد يوما فيكون صوم يوم مكان مد فإن ثبت لك المد صحيح لا أسألك عنه إلا فيما قلت إن صوم اليوم يقوم مقام إطعام مسكين فقلت له حكم الله - عز وجل - على المظاهر إذا عاد لما قال { فتحرير رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا } فكان معقولا أن إمساك المظاهر عن أن يأكل ستين يوما كإطعام ستين مسكينا وبهذا المعنى صرت إلى أن إطعام مسكين مكان كل يوم قال فهل من دليل مع هذا ؟ قلت نعم { } للحديث أن في العرق خمسة عشر صاعا قال أو عشرين ، ومعروف أن العرق يعمل على خمسة عشر صاعا ليكون الوسق به أربعة فذهبنا إلى أن إطعام المسكين مد طعام ومكان إطعام المسكين صوم يوم ، قال : أما صوم يوم مكان كل مسكين فكما قلت ، وأما إطعام المسكين مدا فإذا قال أو عشرين صاعا قلت فهذا مد وثلث لكل مسكين قال : فلم لا تقول به ؟ قلت فهل علمت أحدا قط قال إلا مدا أو مدين ؟ قال : لا قلت فلو كان كما قلت أنت كنت أنت قد خالفته ولكنه احتياط من المحدث ، وهذا كما قلت في العرق خمسة عشر صاعا أمر النبي صلى الله عليه وسلم المصيب لأهله نهارا في شهر رمضان هل تجد ما تعتق ؟ قال : لا ، فسأله هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ فقال لا . فسأله هل تقدر أن تطعم ستين مسكينا ؟ فقال : لا ، فأعطاه عرق تمر فأمره أن يتصدق به على ستين مسكينا فأدى المؤدي
وعلى ذلك كانت تعمل فيما أخبرني غير واحد من أهل العلم باليمن أنهم كانوا يجعلونها معايير كالمكاييل على خمسة عشر صاعا بالتمر ، قال : فقد زعمت أن الكفارة في الطعام وإصابة المرأة تعبد لأمر قد عرفته وعرفناه معك فأبن أن وغيرها تعبد لا يقاس عليه الكفارة في فدية الأذى
قلت : أليس { في الطعام فرقا بين ستة مساكين لكعب بن عجرة } فكان ذلك مدين مدين ؟ قال : بلى قلت وأمره فقال : أو صم ثلاثة أيام ؟ قال : بلى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
قلت : وقال : " أو انسك شاة " قال : بلى قلت : فلو قسنا الطعام على الصوم أما نقول صوم يوم مكان إطعام مسكينين ؟ قال : بلى ، قلت : ولو قسنا الشاة بالصوم كانت شاة عدل صيام ثلاثة أيام ؟ قال : بلى قلت : وقد قال الله - عز وجل - في المتمتع { فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم } فجعل البدل من شاة صوم عشرة أيام قال : نعم وقلت : قال الله - عز وجل - { فكفارته إطعام عشرة مساكين } الآية فجعل الرقبة مكان إطعام عشرة مساكين قال : نعم
قلت : والرقبة في الظهار والقتل مكان ستين يوما ، قال : نعم وقد بان أن صوم ستين يوما أولى بالقرب من الرقبة من صوم عشرة وبان لي أن صوم يوم أولى بإطعام مسكين منه بإطعام مسكينين ; لأن صوم يوم جوع يوم ، وإطعام مسكين إطعام يوم ، فيوم بيوم أولى أن يقاس عليه من يومين بيوم وأوضح من أنها أولى [ ص: 205 ] الأمور بالقياس قال : فهل فيه من أثر أعلى من قول ؟ عطاء
قلت : نعم ، أخبرنا ( قال مالك ) قال فهل خالفك في هذا غيرك من أهل ناحيتك ؟ الشافعي
فقلت : نعم زعم منهم زاعم ما قلت : من أن الكفارات بمد النبي صلى الله عليه وسلم إلا كفارة الظهار فإنها بمد هشام قال فلعل مد هشام مدان فيكون أراد قولنا مدين وإنما جعل مد هشام علما
قلت : لا ، مد هشام ، مد وثلث بمد النبي صلى الله عليه وسلم أو مد ونصف ( قال ) فقال فالغني بالمسألة عن هذا القول - إذا كان كما وصفت - غني بما لا يعيد ولا يبدي كيف جاز لأحد أن يزعم أن الكفارات بمد مختلف ؟ الشافعي
أرأيت لو قال له إنسان هي بمد أكبر من مد هشام أضعافا ، والطعام بمد النبي صلى الله عليه وسلم وما سواه بمد محدث الذي هو أكبر من مد هشام ، أو رأيت الكفارات إذ نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم كيف جاز أن تكون بمد رجل لم يخلق أبوه ولعل جده لم يخلق في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وإنما قال الناس هي مدان بمد النبي صلى الله عليه وسلم أو مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم فما أدخل مدا وكسرا ؟
هذا خروج من قول أهل الدنيا في الكفارات ( قال ) وقلت له : وزعم بعض أهل ناحيتنا أيضا أن على غير أهل الشافعي المدينة من الكفارات أكثر مما على أهل المدينة ; لأن الطعام فيهم أوسع منه بالمدينة قال : فما قلت : لمن قال هذا ؟
( قال ) فقلت له : أرأيت الذين يقتاتون الفث والذين يقتاتون اللبن والذين يقتاتون الحنظل والذين يقتاتون الحيتان لا يقتاتون غيرها والذين السعر عندهم أغلى منه الشافعي بالمدينة بكثير كيف يكفرون ينبغي في قولهم أن يكفروا أقل من كفارة أهل المدينة ويكفرون من الدخن وهو نبات يقتاته بعض الناس في الجدب ؟
وينبغي إذا كان سعر أهل المدينة أرخص من سعر أهل بلد أن يكون من يكفر في زمان غلاء السعر ببلد أقل كفارة من أهل المدينة إن كان إنما زعم أن هذا لغلاء سعر أهل المدينة وقيل له هل رأيت من فرائض الله شيئا خفف عن أحد أو اختلفوا في صلاة أو زكاة أو حد أو غيره ؟
( قال ) الشافعي
قلت : فما ينبغي أن يعارض بقول من قال هذا ( قال ) وزعم زاعم غير قائل هذا أنه قال : الطعام حيث شاء المكفر في الحج والصوم كذلك . الشافعي
( قال ) فقيل له : لئن زعمت أن الدم لا يكون إلا الشافعي بمكة ما ينبغي أن يكون الطعام إلا بمكة كما قلت ; لأنهما طعامان . قال فما حجتك في الصوم ؟
قلت : أذن الله للمتمتع أن يكون من صومه ثلاث في الحج وسبعة إذا رجع ولم يكن في الصوم منفعة لمساكين الحرم وكان على بدن الرجل فكان عملا بغير وقت فيعمله حيث شاء