الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
جماع ما يحل من الطعام والشراب ويحرم

( قال الشافعي ) رحمه الله : أصل المأكول والمشروب إذا لم يكن لمالك من الآدميين . أو أحله مالكه من الآدميين ، حلال إلا ما حرم الله عز وجل في كتابه ، أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم .

فإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لزم في كتاب الله عز وجل ، أن يحرم ويحرم ما لم يختلف المسلمون في تحريمه ، وكان في معنى كتاب أو سنة أو إجماع ، فإن قال قائل : فما الحجة في أن كل ما كان مباح الأصل يحرم بمالكه حتى يأذن فيه مالكه ؟ فالحجة فيه أن الله عز وجل قال { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } وقال تبارك وتعالى { وآتوا اليتامى أموالهم } الآية . وقال { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } إلى قوله { هنيئا مريئا } مع آي كثيرة في كتاب الله عز وجل ، حظر فيها أموال الناس إلا بطيب أنفسهم ، إلا بما فرض في كتاب الله عز وجل ثم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وجاءت به حجة ( قال ) أخبرنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { لا يحلبن أحدكم ماشية أخيه بغير إذنه ، أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر ؟ } فأبان الله في كتابه أن ما كان ملكا لآدمي لم يحل بحال إلا بإذنه . وأبانه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل الحلال حلالا بوجه ، حراما بوجه آخر ، وأبانته السنة ، فإذا منع الله عز وجل مال المرأة إلا بطيب نفسها ، واسم المال يقع على القليل والكثير ، ففي ذلك معنى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في اللبن الذي تخف مؤنته على مالكه ، ويستخلف في اليوم مرة أو مرتين ، فحرم الأقل إلا بإذن مالكه كان الأكثر مثل الأقل أو أعظم تحريما بقدر عظمه ، على ما هو أصغر منه من مال المسلم .

ومثل هذا ما فرض الله عز وجل من المواريث بعد موت مالك المال ، فلما لم يكن لقريب أن يرث المال الذي قد صار مالكه غير مالك إلا بما ملك ، كان لأن يأخذ مال حي بغير طيب نفسه ، أو ميت بغير ما جعل الله له ، أبعد .

التالي السابق


الخدمات العلمية