[ ص: 176 ] فصل في ذكر مراتب الصيغ
زعم إمام الحرمين وابن القشيري أن أعلاها أسماء الشرط ، والنكرة في النفي ، وادعى القطع بوضع ذلك العموم ، وأن علمه بذلك تسمية خارجة مخصوصة رأسا . قال : وجمع الكثرة ظاهر فيه لا نص . وكلام المحصول وأتباعه مصرح بأن أعلاها أسماء الشرط والاستفهام ، ثم النكرة المنفية ، لدلاتها بالقرينة لا بالوضع ، وعكس الهندي في باب التراجيح ، فقدم النكرة المنفية على الكل ، فحصل ثلاثة آراء .
وقال ابن السمعاني : ألفاظ الجموع أبين وجوه العموم ، ثم يليها اسم الجنس المعرف باللام ، وظاهره أن الإضافة دون ذلك في الرتبة .
وعكس الإمام فخر الدين هذه المقالة في تفسيره ، فزعم أن الإضافة أدل على العموم من الألف واللام ، والنكرة المنفية أدل على العموم منها في سياق النفي ، والتي بمن أدل من المجردة منها .
ويؤيد الأول قول إن مجيء أسماء الأجناس معرفة بالألف واللام أكثر من مجيئها مضافة . أبي علي الفارسي
وقال إلكيا الطبري في التلويح : : ألفاظ العموم أربعة
أحدها : عام بصيغته ومعناه كالرجال والنساء .
والثاني : عام بمعناه لا بصيغته كالرهط والإنس والجن وغيرها من أسماء الأجناس ، وهذا لا خلاف فيه . [ ص: 177 ]
والثالث : ألفاظ مبهمة نحو " ما ومن " ، وهذا يعم كل واحد .
والرابع : نحو لم أر رجلا ، وذلك يعم لضرورة صحة الكلام ، وتحقيق غرض المتكلم من الإفهام ، لا أنه يتناول الجمع بصيغته ، فالعموم فيه من القرينة ، فلهذا لم يختلفوا فيه . انتهى . وقال النكرة في سياق النفي إلكيا في موضع آخر : العام الذي لم يرد على سبب أقوى من الوارد ، ولهذا اختلفوا في التمسك بعمومه دون الأول ، وقال الشيخ في شرح الإلمام : بحث بعض المتأخرين الباحثين لا المصنفين في منع تفاوت رتب العموم نظرا إلى أن دلالة اللفظ العام على أفراده وضعية ولا تفاوت في الوضع وتناوله للأفراد .
وقد صرح في المستصفى بتفاوت مراتب العموم في تناولها لبعض الأفراد ، لكن هذا التفاوت ليس من جهة الوضع وإنما هو لأمور خارجة عنه ، والعموم يضعف بأن لا يظهر فيه قصد التعميم ، وسر ذلك بأن يكثر المخرج منه ، ويتطرق إليه تخصيصات كثيرة ، ومثله بأصل دلالة البيع ، فإن دلالة قوله عليه السلام : { } على تحريم الأرز أظهر من دلالة هذا العموم على تحليله ، ولهذا جوز لا تبيعوا البر بالبر . دون ما بقي على العموم ، قال : ولا يبعد ذلك عندنا فيما بقي عاما ، لأنا لا نشك في أن العمومات بالنسبة إلى بعض المسميات تختلف بالقوة لاختلاف ظهور إرادة قصد ذلك المسمى بها ، فإذا تقابلا وجب تقديم أقوى العمومين ، وكذا عيسى بن أبان وجب تقديم أجلاهما وأقواهما قال القياسان إذا تقابلا الشيخ : أما ظهور قصد التعميم فلا شك في اقتضائه القوة ، لكن قد يقال : هل المعتبر في الضعف عدم قصد التعميم ، أو قصد عدم التعميم ؟ والظاهر الثاني ، وظاهر كلام " المستصفى " الأول ، ثم ذلك إنما يكون بقرائن خارجة عن مدلول اللفظ ونحوه . [ ص: 178 ]
ثم . قسموا المراتب على ثلاثة أقسام
أحدها : أن يظهر أن الرسول عليه السلام لم يقصد التعميم وإن كان اللفظ عاما لغة ، كقوله : { } فإن سياقه لبيان قدر الواجب لا غير ، فهذا لا عموم له في قصده ، وكذا قوله تعالى : { فيما سقت السماء العشر وثيابك فطهر } لا عموم له في الآلة المطهرة ، لأن المقصود الأمر بأصل التطهير .
الثاني : لفظ عام ظهر منه قصد التعميم بقرينة زائدة على اللفظ ، فحكم إمام الحرمين بأنه لا يؤول بقياس ، قال بعض المتأخرين : وفيه نظر ، فإن كانت القرينة تفيد العلم بالتعميم صار نصا ، وإن لم يفده إلا قوة الظن ، فما المانع من تأويله بقياس أجلى منه في النظر ؟ فلا وجه لهذا الإطلاق
الثالث : لفظ عام لغة ولا قرينة معه في تعميم ، ولا تقتضيه ، فالواجب إذا أول وعضد بقياس اتباع الأرجح في الظن ، فإن استويا وقف عند القاضي ، وصوبه بعضهم ، وقدم الإمام الخبر لنصيته ، وهو كقوله : { } . انتهى . إنما الأعمال بالنيات
وإمام الحرمين يقول ، إنه لو قدم ظني القياس على ظني اللفظ لكان تقديما لمرتبة القياس على مرتبة الخبر ، وإذا آل الأمر إلى تقديم الأرجح في الظن فقياس الشبه ضعيف ، فإن قيل به ، فيقدم عليه العموم بالنظر إلى رتبته ; ورتبته العموم ، وأما النظر إلى الجزئيات فلا ينبغي أن يقدم القياس الشبهي إلا عند ضعف العموم ضعفا شديدا ، بحيث يكون قياس الشبه أغلب [ ص: 179 ] على الظن منه ، فإنا رأيناهم يستدلون بعمومات ونصوص بعيدة التناول في القصد لمحل النزاع بظهور القصد .
وأما قياس العلة فهو أرفع من الشبه ، وأما ما ليس فيه إلا مجرد مناسبة يبديها النظر لا تقوى بالتعليل ، فالأولى تقديم العموم والظاهر عليها ، لا سيما إذا قرب أن يزاحم ، وكان ترجيحها على ما يعامل به ليس بقوي .