[
nindex.php?page=treesubj&link=21169الفرق بين التخصيص والنسخ ]
واعلم أن التخصيص شديد الشبه بالنسخ لاشتراكهما في اختصاص الحكم بنقض ما يتناوله اللفظ ، وقد فرقوا بينهما من وجوه .
أحدها : أن التخصيص ترك بعض الأعيان ، والنسخ ترك بعض الأزمان ، قاله
الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني .
[ ص: 328 ]
الثاني : أن التخصيص يتناول الأزمان والأعيان والأحوال بخلاف النسخ ، فإنه لا يتناول إلا الأزمان . قال
الغزالي : وهذا ليس بصحيح ، فإن الأعيان والأزمان ليسا من أفعال المكلفين ، والنسخ يرد على الفعل في بعض الأزمان ، والتخصيص يرد على الفعل في بعض الأحوال .
الثالث : التخصيص لا يكون إلا لبعض الأفراد بخلاف النسخ ، فإنه يكون لكل الأفراد . وعلى هذا فالنسخ أعم ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13926البيضاوي . لكن اختار إمامه خلافه ، فإنه قال : النسخ لا معنى به إلا تخصيص الحكم بزمان معين بطريق خاص ، فيكون الفرق بين التخصيص والنسخ فرق ما بين العام والخاص . وقد سبقه إلى ذلك الأستاذ فيما نقله عن
إمام الحرمين في كتاب " النسخ " فقال : صرح
الأستاذ بأن النسخ تخصيص في الزمان ، واعترض عليه .
الرابع : وحكاه
nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب عن بعض أصحابنا أن التخصيص تقليل ، والنسخ تبديل . وقال : هذا لفظ جميل ، ولكن ريعه قليل ، ومعناه مستحيل ، لأن الردة تبديل ، وليست بنسخ ، قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=181فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه }
الخامس : أن النسخ يتطرق إلى كل حكم ، سواء كان ثابتا في حق شخص واحد ، أو أشخاص كثيرة ، والتخصيص لا يتطرق إلى الأول ، ومنهم من عبر عنه بأن التخصيص لا يدخل في الأمر بمأمور واحد ، والنسخ يدخل فيه .
السادس : أن التخصيص يبقي دلالة اللفظ على ما بقي تحته حقيقة
[ ص: 329 ]
كان أو مجازا على الخلاف ، والنسخ يبطل دلالة حقيقة المنسوخ في مستقبل الزمن بالكلية .
السابع : أنه يجوز تأخير النسخ عن وقت العمل بالمنسوخ ، وأما التخصيص فلا يجوز تأخيره عن وقت العمل بالمخصوص وفاقا .
الثامن : أنه يجوز نسخ شريعة بشريعة أخرى ، ولا يجوز التخصيص . قال
القرافي : وهذا الإطلاق وقع في كتب العلماء كثيرا ، والمراد أن الشريعة المتأخرة قد تنسخ بعض أحكام الشريعة المتقدمة ، أما كلها فلا ، لأن قواعد العقائد لم تنسخ ، وكذلك حفظ الكليات الخمس ، فحينئذ النسخ إنما يقع في بعض الأحكام الفرعية ، وإن جاز نسخ شريعة بشريعة أخرى عقلا .
التاسع : أن النسخ رفع الحكم بعد ثبوته ، بخلاف التخصيص فإنه بيان المراد باللفظ العام ، ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=15022القفال الشاشي والعبادي في زياداته ، وهذا على رأي
القاضي ، وأما على رأي غيره ، فينبغي أن نقول : انتهاء حكم بخلاف التخصيص .
العاشر : أن التخصيص بيان ما أريد بالعموم ، والنسخ بيان ما لم يرد بالمنسوخ ، ذكره
الماوردي .
الحادي عشر : أن التخصيص يجوز أن يكون مقترنا بالعام ، ومقدما عليه ، ومتأخرا عنه ، ولا يجوز أن يكون الناسخ متقدما على المنسوخ ، ولا مقترنا به ، بل يجب أن يتأخر عنه .
الثاني عشر : أن النسخ لا يكون إلا بقول وخطاب ، والتخصيص قد يكون بأدلة العقل والقرائن وسائر أدلة السمع ، ويقع التخصيص بالإجماع ، والنسخ لا يقع به .
الثالث عشر : يجوز التخصيص في الأخبار والأحكام ، والنسخ يختص بأحكام الشرع .
[ ص: 330 ]
الرابع عشر : التخصيص على الفور ، والنسخ على التراخي ، ذكره
الماوردي ، وفي هذا نظر .
الخامس عشر : أن تخصيص المقطوع بالمظنون واقع ، ونسخه لا يقع به .
السادس عشر : أن التخصيص لا يدخل في غير العام ، بخلاف النسخ ; فإنه يرفع حكم العام والخاص .
السابع عشر : أنه يجوز نسخ الأمر بخلاف التخصيص على خلاف فيه .
الثامن عشر : أن التخصيص يؤذن بأن المراد بالعموم عند الخطاب ما عداه ، والنسخ يحقق أن كل ما يتناوله اللفظ مراد في حال الحال ، وإن كان غير مراد فيما بعده ، وكان اللفظ المطلق لا يدل على الزمان أصلا ، وإنما يدل على الفعل ، ثم الزمان ظرف .
واعلم أن هذه الفروق أكثرها أحكام أو لوازم ثابتة لأحدهما دون الآخر .
[
nindex.php?page=treesubj&link=21169الْفَرْقُ بَيْنَ التَّخْصِيصِ وَالنَّسْخِ ]
وَاعْلَمْ أَنَّ التَّخْصِيصَ شَدِيدُ الشَّبَهِ بِالنَّسْخِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي اخْتِصَاصِ الْحُكْمِ بِنَقْضِ مَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ ، وَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا مِنْ وُجُوهٍ .
أَحَدُهَا : أَنَّ التَّخْصِيصَ تَرْكُ بَعْضِ الْأَعْيَانِ ، وَالنَّسْخَ تَرْكُ بَعْضِ الْأَزْمَانِ ، قَالَهُ
الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ .
[ ص: 328 ]
الثَّانِي : أَنَّ التَّخْصِيصَ يَتَنَاوَلُ الْأَزْمَانَ وَالْأَعْيَانَ وَالْأَحْوَالَ بِخِلَافِ النَّسْخِ ، فَإِنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الْأَزْمَانَ . قَالَ
الْغَزَالِيُّ : وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ ، فَإِنَّ الْأَعْيَانَ وَالْأَزْمَانَ لَيْسَا مِنْ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ ، وَالنَّسْخُ يَرِدُ عَلَى الْفِعْلِ فِي بَعْضِ الْأَزْمَانِ ، وَالتَّخْصِيصُ يَرِدُ عَلَى الْفِعْلِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ .
الثَّالِثُ : التَّخْصِيصُ لَا يَكُونُ إلَّا لِبَعْضِ الْأَفْرَادِ بِخِلَافِ النَّسْخِ ، فَإِنَّهُ يَكُونُ لِكُلِّ الْأَفْرَادِ . وَعَلَى هَذَا فَالنَّسْخُ أَعَمُّ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13926الْبَيْضَاوِيُّ . لَكِنْ اخْتَارَ إمَامُهُ خِلَافَهُ ، فَإِنَّهُ قَالَ : النَّسْخُ لَا مَعْنَى بِهِ إلَّا تَخْصِيصَ الْحُكْمِ بِزَمَانٍ مُعَيَّنٍ بِطَرِيقٍ خَاصٍّ ، فَيَكُونُ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّخْصِيصِ وَالنَّسْخِ فَرْقَ مَا بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ . وَقَدْ سَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الْأُسْتَاذُ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْ
إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِ " النَّسْخِ " فَقَالَ : صَرَّحَ
الْأُسْتَاذُ بِأَنَّ النَّسْخَ تَخْصِيصٌ فِي الزَّمَانِ ، وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ .
الرَّابِعُ : وَحَكَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11872الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ التَّخْصِيصَ تَقْلِيلٌ ، وَالنَّسْخَ تَبْدِيلٌ . وَقَالَ : هَذَا لَفْظٌ جَمِيلٌ ، وَلَكِنْ رِيعُهُ قَلِيلٌ ، وَمَعْنَاهُ مُسْتَحِيلٌ ، لِأَنَّ الرِّدَّةَ تَبْدِيلٌ ، وَلَيْسَتْ بِنَسْخٍ ، قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=181فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ }
الْخَامِسُ : أَنَّ النَّسْخَ يَتَطَرَّقُ إلَى كُلِّ حُكْمٍ ، سَوَاءٌ كَانَ ثَابِتًا فِي حَقِّ شَخْصٍ وَاحِدٍ ، أَوْ أَشْخَاصٍ كَثِيرَةٍ ، وَالتَّخْصِيصُ لَا يَتَطَرَّقُ إلَى الْأَوَّلِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَبَّرَ عَنْهُ بِأَنَّ التَّخْصِيصَ لَا يَدْخُلُ فِي الْأَمْرِ بِمَأْمُورٍ وَاحِدٍ ، وَالنَّسْخَ يَدْخُلُ فِيهِ .
السَّادِسُ : أَنَّ التَّخْصِيصَ يُبْقِي دَلَالَةَ اللَّفْظِ عَلَى مَا بَقِيَ تَحْتَهُ حَقِيقَةً
[ ص: 329 ]
كَانَ أَوْ مَجَازًا عَلَى الْخِلَافِ ، وَالنَّسْخُ يُبْطِلُ دَلَالَةَ حَقِيقَةِ الْمَنْسُوخِ فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَنِ بِالْكُلِّيَّةِ .
السَّابِعُ : أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُ النَّسْخِ عَنْ وَقْتِ الْعَمَلِ بِالْمَنْسُوخِ ، وَأَمَّا التَّخْصِيصُ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْ وَقْتِ الْعَمَلِ بِالْمَخْصُوصِ وِفَاقًا .
الثَّامِنُ : أَنَّهُ يَجُوزُ نَسْخُ شَرِيعَةٍ بِشَرِيعَةٍ أُخْرَى ، وَلَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ . قَالَ
الْقَرَافِيُّ : وَهَذَا الْإِطْلَاقُ وَقَعَ فِي كُتُبِ الْعُلَمَاءِ كَثِيرًا ، وَالْمُرَادُ أَنَّ الشَّرِيعَةَ الْمُتَأَخِّرَةَ قَدْ تَنْسَخُ بَعْضَ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، أَمَّا كُلَّهَا فَلَا ، لِأَنَّ قَوَاعِدَ الْعَقَائِدِ لَمْ تُنْسَخْ ، وَكَذَلِكَ حِفْظُ الْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسِ ، فَحِينَئِذٍ النَّسْخُ إنَّمَا يَقَعُ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ الْفَرْعِيَّةِ ، وَإِنْ جَازَ نَسْخُ شَرِيعَةٍ بِشَرِيعَةٍ أُخْرَى عَقْلًا .
التَّاسِعُ : أَنَّ النَّسْخَ رَفْعُ الْحُكْمِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ ، بِخِلَافِ التَّخْصِيصِ فَإِنَّهُ بَيَانُ الْمُرَادِ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ ، ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15022الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ وَالْعَبَّادِيُّ فِي زِيَادَاتِهِ ، وَهَذَا عَلَى رَأْيِ
الْقَاضِي ، وَأَمَّا عَلَى رَأْيِ غَيْرِهِ ، فَيَنْبَغِي أَنْ نَقُولَ : انْتِهَاءُ حُكْمٍ بِخِلَافِ التَّخْصِيصِ .
الْعَاشِرُ : أَنَّ التَّخْصِيصَ بَيَانُ مَا أُرِيدَ بِالْعُمُومِ ، وَالنَّسْخَ بَيَانُ مَا لَمْ يُرَدْ بِالْمَنْسُوخِ ، ذَكَرَهُ
الْمَاوَرْدِيُّ .
الْحَادِيَ عَشَرَ : أَنَّ التَّخْصِيصَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُقْتَرِنًا بِالْعَامِّ ، وَمُقَدَّمًا عَلَيْهِ ، وَمُتَأَخِّرًا عَنْهُ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّاسِخُ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْمَنْسُوخِ ، وَلَا مُقْتَرِنًا بِهِ ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْهُ .
الثَّانِي عَشَرَ : أَنَّ النَّسْخَ لَا يَكُونُ إلَّا بِقَوْلٍ وَخِطَابٍ ، وَالتَّخْصِيصَ قَدْ يَكُونُ بِأَدِلَّةِ الْعَقْلِ وَالْقَرَائِنِ وَسَائِرِ أَدِلَّةِ السَّمْعِ ، وَيَقَعُ التَّخْصِيصُ بِالْإِجْمَاعِ ، وَالنَّسْخُ لَا يَقَعُ بِهِ .
الثَّالِثَ عَشَرَ : يَجُوزُ التَّخْصِيصُ فِي الْأَخْبَارِ وَالْأَحْكَامِ ، وَالنَّسْخُ يَخْتَصُّ بِأَحْكَامِ الشَّرْعِ .
[ ص: 330 ]
الرَّابِعَ عَشَرَ : التَّخْصِيصُ عَلَى الْفَوْرِ ، وَالنَّسْخُ عَلَى التَّرَاخِي ، ذَكَرَهُ
الْمَاوَرْدِيُّ ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ .
الْخَامِسَ عَشَرَ : أَنَّ تَخْصِيصَ الْمَقْطُوعِ بِالْمَظْنُونِ وَاقِعٌ ، وَنَسْخُهُ لَا يَقَعُ بِهِ .
السَّادِسَ عَشَرَ : أَنَّ التَّخْصِيصَ لَا يَدْخُلُ فِي غَيْرِ الْعَامِّ ، بِخِلَافِ النَّسْخِ ; فَإِنَّهُ يَرْفَعُ حُكْمَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ .
السَّابِعَ عَشَرَ : أَنَّهُ يَجُوزُ نَسْخُ الْأَمْرِ بِخِلَافِ التَّخْصِيصِ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ .
الثَّامِنَ عَشَرَ : أَنَّ التَّخْصِيصَ يُؤْذِنُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعُمُومِ عِنْدَ الْخِطَابِ مَا عَدَاهُ ، وَالنَّسْخُ يُحَقِّقُ أَنَّ كُلَّ مَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ مُرَادٌ فِي حَالِ الْحَالِ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُرَادٍ فِيمَا بَعْدَهُ ، وَكَانَ اللَّفْظُ الْمُطْلَقُ لَا يَدُلُّ عَلَى الزَّمَانِ أَصْلًا ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْفِعْلِ ، ثُمَّ الزَّمَانُ ظَرْفٌ .
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْفُرُوقَ أَكْثَرُهَا أَحْكَامٌ أَوْ لَوَازِمُ ثَابِتَةٌ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ .