[ ص: 368 ] الأول :
nindex.php?page=treesubj&link=21176الاستثناء وهو لغة : بمعنى العطف والعود ، كقولهم : ثنيت الحبل إذا عطفت بعضه على بعض . وقيل : بمعنى الصرف والصد من قولهم : ثنيت فلانا عن رأيه ، وقال
ابن فارس : لأنه قد ثنى ذكره مرة في الجملة ، ومرة في التفصيل . واصطلاحا : الإخراج بإلا أو إحدى أخواتها من متكلم واحد ، ليخرج ما لو قال الله سبحانه : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5اقتلوا المشركين } ، فقال عليه السلام : إلا زيدا ، فإنه لا يسمى استثناء كما قاله
القاضي ، وسيأتي . والأولى أن يقال : الحكم بإخراج الثاني من الحكم الأول بواسطة موضوعة لذلك ، فقولنا : الحكم جنس ، لأن الاستثناء حكم من أحكام اللفظ ، فيشمل المتصل والمنقطع ، وخرج بالوسائط الموضوعة له نحو : قام القوم ، وأستثني زيدا ، وخرجوا ولم يخرج زيد . تنبيه
الإخراج إنما يأتي على قول من يجعله عاملا بطريق المعارضة ، إذ الإخراج لا يتحقق إلا بعد الدخول ، وأما على قول من يجعله مبنيا فلا إخراج عنه ، كما سنبينه .
[ ص: 369 ] وحده
nindex.php?page=showalam&ids=13394ابن عمرون من النحاة بأن ينفي عن الثاني ما يثبت لغيره بإلا أو كلمة تقوم مقامها ، فيشمل
nindex.php?page=treesubj&link=21176أنواع الاستثناء : من متصل ، ومنقطع ، ومفرد ، وجملة ، وتام ، ومفرغ ، وخرج الوصف بإلا أو غيرها ، وذكر
ابن الحاجب أن المتصل والمنقطع يمكن تحديده بحد واحد على القول بالاشتراك والمجاز ، لتغاير حقيقتهما ، إذ الأول حقيقة ، والثاني مجاز . وجمعهما
ابن مالك في حد واحد ، فقال : تحقيقا أو تقديرا ، وقد يقال : هو في قوة حدين .
وذكر
إمام الحرمين في باب الإقرار من " النهاية " أن الفقهاء يسمون تعليق الألفاظ بمشيئة الله استثناء في مثل قول القائل : أنت طالق ، وأنت حر إن شاء الله . وفي " المحيط " للحنفية
nindex.php?page=treesubj&link=21176يسمى الاستثناء بإلا وأخواتها استثناء التحصيل ، وبمشيئة الله استثناء التعطيل .
قال
الخفاف : الاستثناء ضد التوكيد ، يثبت المجاز ويحققه ، وصرح النحاة بأن اللفظ قبل الاستثناء يحتمل المجاز ، فإذا جاء الاستثناء رفع المجاز وقرره ، فاللفظ قبل الاستثناء ظني ، وبعده قطعي ، وهذا معاكس لقول الحنفية ، فإنهم عدوا الاستثناء من المخصصات ، وعندهم أن العام قبل التخصيص قطعي ، وبعده ظني .
قيل : ولا منافاة بينهما ، لأن احتمال التجوز قبل التخصيص ثابت ، وبعد التخصيص كذلك ، إلا أن الاستثناء يقرر المجاز في إخراج شيء ، ويحقق أن المراد ما بقي تحقيقا ظاهرا لا يخالف ما لم تأت قرينة ، كما قبل الاستثناء ، إلا أن القرينة قبله يشترط فيها القوة
وهل الإخراج من الاسم أو الحكم أو منهما ؟ أقوال ، أصحها الثالث ،
[ ص: 370 ] وهو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ، وهل هو إخراج من اللفظ ما لولاه لوجب دخوله أو لجاز ؟ فيه قولان ، رجح
سليم في " التقريب " الأول . قال : وإلا لم يفترق الحال بين الاستثناء من الجنس وغيره ، فلما فرق بينهما ، وجعل من الجنس حقيقة ومن غيره مجازا ، ثبت ما قلناه .
[ ص: 368 ] الْأَوَّلُ :
nindex.php?page=treesubj&link=21176الِاسْتِثْنَاءُ وَهُوَ لُغَةً : بِمَعْنَى الْعَطْفِ وَالْعَوْدِ ، كَقَوْلِهِمْ : ثَنَيْت الْحَبْلَ إذَا عَطَفْت بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ . وَقِيلَ : بِمَعْنَى الصَّرْفِ وَالصَّدِّ مِنْ قَوْلِهِمْ : ثَنَيْت فُلَانًا عَنْ رَأْيِهِ ، وَقَالَ
ابْنُ فَارِسٍ : لِأَنَّهُ قَدْ ثَنَّى ذِكْرَهُ مَرَّةً فِي الْجُمْلَةِ ، وَمَرَّةً فِي التَّفْصِيلِ . وَاصْطِلَاحًا : الْإِخْرَاجُ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ ، لِيَخْرُجَ مَا لَوْ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ } ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : إلَّا زَيْدًا ، فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى اسْتِثْنَاءً كَمَا قَالَهُ
الْقَاضِي ، وَسَيَأْتِي . وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ : الْحُكْمُ بِإِخْرَاجِ الثَّانِي مِنْ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ بِوَاسِطَةٍ مَوْضُوعَةٍ لِذَلِكَ ، فَقَوْلُنَا : الْحُكْمُ جِنْسٌ ، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ اللَّفْظِ ، فَيَشْمَلُ الْمُتَّصِلَ وَالْمُنْقَطِعَ ، وَخَرَجَ بِالْوَسَائِطِ الْمَوْضُوعَةِ لَهُ نَحْوُ : قَامَ الْقَوْمُ ، وَأَسْتَثْنِي زَيْدًا ، وَخَرَجُوا وَلَمْ يَخْرُجْ زَيْدٌ . تَنْبِيهٌ
الْإِخْرَاجُ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُهُ عَامِلًا بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ ، إذْ الْإِخْرَاجُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بَعْدَ الدُّخُولِ ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُهُ مَبْنِيًّا فَلَا إخْرَاجَ عَنْهُ ، كَمَا سَنُبَيِّنُهُ .
[ ص: 369 ] وَحَدَّهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13394ابْنُ عَمْرُونٍ مِنْ النُّحَاةِ بِأَنْ يَنْفِيَ عَنْ الثَّانِي مَا يُثْبِتُ لِغَيْرِهِ بِإِلَّا أَوْ كَلِمَةٍ تَقُومُ مَقَامَهَا ، فَيَشْمَلُ
nindex.php?page=treesubj&link=21176أَنْوَاعَ الِاسْتِثْنَاءِ : مِنْ مُتَّصِلٍ ، وَمُنْقَطِعٍ ، وَمُفْرَدٍ ، وَجُمْلَةٍ ، وَتَامٍّ ، وَمُفَرَّغٍ ، وَخَرَجَ الْوَصْفُ بِإِلَّا أَوْ غَيْرِهَا ، وَذَكَرَ
ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّ الْمُتَّصِلَ وَالْمُنْقَطِعَ يُمْكِنُ تَحْدِيدُهُ بِحَدٍّ وَاحِدٍ عَلَى الْقَوْلِ بِالِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ ، لِتَغَايُرِ حَقِيقَتِهِمَا ، إذْ الْأَوَّلُ حَقِيقَةٌ ، وَالثَّانِي مَجَازٌ . وَجَمَعَهُمَا
ابْنُ مَالِكٍ فِي حَدٍّ وَاحِدٍ ، فَقَالَ : تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا ، وَقَدْ يُقَالُ : هُوَ فِي قُوَّةِ حَدَّيْنِ .
وَذَكَرَ
إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ مِنْ " النِّهَايَةِ " أَنَّ الْفُقَهَاءَ يُسَمُّونَ تَعْلِيقَ الْأَلْفَاظِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ اسْتِثْنَاءً فِي مِثْلِ قَوْلِ الْقَائِلِ : أَنْتِ طَالِقٌ ، وَأَنْتَ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ . وَفِي " الْمُحِيطِ " لِلْحَنَفِيَّةِ
nindex.php?page=treesubj&link=21176يُسَمَّى الِاسْتِثْنَاءُ بِإِلَّا وَأَخَوَاتِهَا اسْتِثْنَاءَ التَّحْصِيلِ ، وَبِمَشِيئَةِ اللَّهِ اسْتِثْنَاءَ التَّعْطِيلِ .
قَالَ
الْخَفَّافُ : الِاسْتِثْنَاءُ ضِدُّ التَّوْكِيدِ ، يُثْبِتُ الْمَجَازَ وَيُحَقِّقُهُ ، وَصَرَّحَ النُّحَاةُ بِأَنَّ اللَّفْظَ قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ يَحْتَمِلُ الْمَجَازَ ، فَإِذَا جَاءَ الِاسْتِثْنَاءُ رُفِعَ الْمَجَازُ وَقَرَّرَهُ ، فَاللَّفْظُ قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ ظَنِّيٌّ ، وَبَعْدَهُ قَطْعِيٌّ ، وَهَذَا مُعَاكِسٌ لِقَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ ، فَإِنَّهُمْ عَدُّوا الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ ، وَعِنْدَهُمْ أَنَّ الْعَامَّ قَبْلَ التَّخْصِيصِ قَطْعِيٌّ ، وَبَعْدَهُ ظَنِّيٌّ .
قِيلَ : وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا ، لِأَنَّ احْتِمَالَ التَّجَوُّزِ قَبْلَ التَّخْصِيصِ ثَابِتٌ ، وَبَعْدَ التَّخْصِيصِ كَذَلِكَ ، إلَّا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُقَرِّرُ الْمَجَازَ فِي إخْرَاجِ شَيْءٍ ، وَيُحَقَّقُ أَنَّ الْمُرَادَ مَا بَقِيَ تَحْقِيقًا ظَاهِرًا لَا يُخَالِفُ مَا لَمْ تَأْتِ قَرِينَةٌ ، كَمَا قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ ، إلَّا أَنَّ الْقَرِينَةَ قَبْلَهُ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْقُوَّةُ
وَهَلْ الْإِخْرَاجُ مِنْ الِاسْمِ أَوْ الْحُكْمِ أَوْ مِنْهُمَا ؟ أَقْوَالٌ ، أَصَحُّهَا الثَّالِثُ ،
[ ص: 370 ] وَهُوَ مَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ ، وَهَلْ هُوَ إخْرَاجٌ مِنْ اللَّفْظِ مَا لَوْلَاهُ لَوَجَبَ دُخُولُهُ أَوْ لَجَازَ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ ، رَجَّحَ
سُلَيْمٌ فِي " التَّقْرِيبِ " الْأَوَّلَ . قَالَ : وَإِلَّا لَمْ يَفْتَرِقْ الْحَالُ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الْجِنْسِ وَغَيْرِهِ ، فَلَمَّا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا ، وَجَعَلَ مِنْ الْجِنْسِ حَقِيقَةً وَمِنْ غَيْرِهِ مَجَازًا ، ثَبَتَ مَا قُلْنَاهُ .