( الفرق التاسع والعشرون والمائتان بين قاعدة وقاعدة المعصية التي هي كبيرة مانعة من قبول الشهادة ) المعصية التي ليست بكبيرة مانعة من الشهادة
اعلم أن إمام الحرمين في أصول الدين قد منع من إطلاق لفظ الصغيرة على شيء من معاصي الله [ ص: 66 ] تعالى ، وكذلك جماعة من العلماء وقالوا بل جميع المعاصي كبائر لعظمة الله تعالى فيكون جميع معاصيه كبائر ، وقال غيرهم يجوز ذلك ، واتفق الجميع على أن المعاصي تختلف بالقدح في العدالة ، وأنه ليس كل معصية يسقط بها العدل عن مرتبة العدالة فالخلاف حينئذ إنما هو في الإطلاق . لا يقال في شيء من معاصي الله صغيرة
وقد ورد الكتاب العزيز بالإشارة إلى الفرق في قوله تعالى { وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان } فجعل للمعصية رتبا ثلاثا كفرا وفسوقا ، وهو الكبيرة ، وعصيانا ، وهي الصغيرة ، ولو كان المعنى واحدا لكان اللفظ في الآية متكررا إلا بمعنى مستأنف ، وهو خلاف الأصل ؛ إذا تقرر هذا فنقول ليس من جهة من عصى بل من جهة المفسدة الكائنة في ذلك الفعل فالكبيرة ما عظمت مفسدتها ، والصغيرة ما قلت مفسدتها ، ورتب المفاسد مختلفة الصغيرة والكبيرة في المعاصي يترتب عليها الكراهة ثم كلما ارتقت المفسدة عظمت الكراهة حتى تكون أعلى رتب المكروهات تليها أدنى رتب المحرمات ثم ترتقي رتب المحرمات حتى تكون أعلى رتب الصغائر يليه أدنى الكبائر ثم ترتقي رتب الكبائر بعظم المفسدة حتى تكون أعلى رتب الكبائر يليها الكفر إذا تقرر هذا . ، وأدنى رتب المفاسد
وأردنا ضبط ما ترد به الشهادة لعظمه ننظر ما وردت به السنة أو الكتاب العزيز بجعله كبيرة أو أجمعت عليه الأمة أو ثبت فيه حد من حدود الله تعالى كقطع السرقة وجلد الشرب ونحوهما فإنها كلها كبائر قادحة في العدالة إجماعا ، وكذلك ما فيه وعيد صرح به في الكتاب أو في السنة فنجعله أصلا ، وننظر فما ساوى أدناه مفسدة أو رجح عليها مما ليس فيه نص ألحقناه به ، ورددنا به الشهادة ، وأثبتنا به الفسوق ، والجرح ، وما وجدناه قاصرا عن أدنى رتب الكبائر التي شهدت لها الأصول جعلناه [ ص: 67 ] صغيرة لا تقدح في العدالة ، ولا توجب فسوقا إلا أن يصر عليه فيكون كبيرة إن وصل بالإصرار إلى تلك الغاية فإنه لا صغيرة مع إصرار . ولا كبيرة مع استغفار
كما قاله السلف ، ويعنون بالاستغفار التوبة بشروطها لا طلب المغفرة مع بقاء العزم فإن ذلك لا يزيل كبر الكبيرة ألبتة ففي الكتاب فيه ذكر الكبر أو العظم عقب ذكر جريمة ، وفي السنة في { مسلم } ، وفي حديث آخر { قالوا ما أكبر الكبائر يا رسول الله فقال أن تجعل لله شريكا وقد خلقك قلت ثم أي قال أن تقتل ولدك خوفا أن يأكل معك قلت ثم أي قال أن تزاني حليلة جارك } وفي بعض الطرق وعقوق الوالدين ، واستحلال اجتنبوا السبع الموبقات قيل ، وما هي يا رسول الله قال الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات ، وأكل الربا ، وشهادة الزور بيت الله الحرام ، وثبت في الصحيح { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل القبلة في الأجنبية صغيرة } فيلحق بها ما في معناها ، وهنا أربع مسائل .