( الفرق السابع والأربعون بين قاعدة المأمور به يصح مع التخيير وقاعدة المنهي عنه لا يصح مع التخيير ) وسر الفرق بين هاتين القاعدتين أن المأمور به مع التخيير كخصال الكفارة يكون الأمر فيه متعلقا بمفهوم أحدها الذي هو قدر مشترك بينها لصدقه على كل واحد منها فيكون المشترك متعلق الأمر ولا تخيير فيه والخصوصيات هي متعلق التخيير [ ص: 5 ] ولا وجوب فيها فمفهوم أحدها الذي هو قدر مشترك بينها لا يجوز تركه ألبتة ؛ لأن تركه بترك الجميع وهو خلاف الإجماع والخصوصيات متعلق التخيير ولا وجوب فيها ؛ لأنه لا يجب عليه عين العتق ولا عين الكسوة ولا عين الإطعام بل له ترك كل واحد من هذه الخصوصيات بفعل الآخر ويخرج عن العهدة بفعل المشترك في أيها شاء فإن أعتق حصل مفهوم أحدها الذي هو قدر مشترك بينها ، وكذلك إن كسا أو أطعم وأما النهي عن المشترك الذي هو مفهوم أحدها فالقاعدة تقتضي أن النهي متى تعلق بمشترك حرمت أفراده كلها فإذا حرم الله تعالى مفهوم الخنزير حرم كل خنزير أو مفهوم الخمر حرم كل خمر والسبب في ذلك أنه لو دخل فرد في الوجود لدخل في ضمنه المشترك فيلزم المحذور وكذلك يلزم من تحريم المشترك تحريم جميع الأفراد [ ص: 6 ] ولا يلزم من إيجاب المشترك إيجاب كل فرد بسبب أن المطلوب هو تحصيل تلك الماهية المشتركة وإذا حصل فرد منها حصلت في ضمنه واستغني عن غيره فلذلك لا يلزم من إيجاب المشترك إيجاب أفراده كلها فصح التخيير مع الأمر بالمشترك ولم يصح التخيير مع النهي عن المشترك فهذا هو سر الفرق ، فإن قلت : قد وقع النهي مع التخيير في الأختين فإن الله تعالى حرم عليه إحداهما لا بعينها ولا نعني بتحريم المشترك إلا ذلك وحرم الأم وابنتها من غير تعيين وأوجب إحدى الخصال في الكفارة وإذا وجبت واحدة لا بعينها حرمت واحدة لا بعينها فهذه صور كلها تدل على الجمع بين النهي وبين التخيير
قلت هذا محال عقلا ومن المحال عقلا أن يفعل الإنسان فردا من جنس أو نوع أو كلي مشترك من حيث الجملة ولا يفعل ذلك المشترك المنهي عنه ؛ لأن الجزئي فيه الكلي بالضرورة وفاعل الأخص فاعل الأعم فلا سبيل إلى الخروج عن العهدة في النهي إلا بترك كل فرد ، والتخيير مع النهي عن المشترك محال عقلا ، وأما ما ذكرتموه من الصور فوهم أما الأختان والأم وابنتها فلأن ذلك التحريم إنما تعلق بالمجموع عينا لا بالمشترك بين الأفراد ولما كان المطلوب أن لا تدخل ماهية المجموع الوجود والقاعدة العقلية أن عدم الماهية يتحقق بأي جزء كان من أجزائها لا بعينه فلا جرم أي أخت تركها خرج عن عهدة النهي عن المجموع [ ص: 7 ] لا لأنه نهي عن المشترك بل لأن الخروج عن عهدة المجموع يكفي فيه فرد من أفراد ذلك المجموع فهذا هو السبب لا لأن التحريم تعلق بواحدة لا بعينها بل تعلق بالمجموع فيخرج عن العهدة بواحدة لا بعينها فتأمل هذا الفرق فخلافه محال عقلا والشرع لا يرد بخلاف العقل ولا بالمستحيلات .
وكذلك نقول في خصال الكفارة لما أوجب الله تعالى المشترك حرم ترك الجميع ؛ لأنه يستلزم ترك المشترك فالمحرم ترك الجميع لا واحدة بعينها من الخصال فلا نجد نهيا على هذه الصورة إلا وهو متعلق بالمجموع لا بالمشترك فتأمل ذلك فلذلك صح التخيير في المأمور به ولم يصح في المنهي عنه وإنما يقع في الخروج عن عهدته لا في أصل النهي فتأمل ذلك [ ص: 8 ] مع أن الشيخ سيف الدين في الأحكام له الموضوع في أصول الفقه حكى عن أصحابنا صحة النهي مع التخيير كالأمر وحكى عن المعتزلة منعه والحق مع المعتزلة في هذه المسألة دون أصحابنا إلا أن يريدوا التخيير في الخروج عن العهدة كما تقدم فلا يبقى خلاف بين الفريقين .