[ ص: 72 ]   ( الفرق الثلاثون والمائتان بين قاعدة التهمة التي ترد بها الشهادة بعد ثبوت العدالة وبين قاعدة ما لا ترد به ) 
اعلم أن الأمة مجمعة على رد الشهادة بالتهمة  من حيث الجملة لكن وقع الخلاف في بعض الرتب  ،  وتحرير ذلك أن التهمة ثلاثة أقسام مجمع على اعتبارها لقوتها  ،  ومجمع على إلغائها لخفتها  ،  ومختلف فيها هل تلحق بالرتبة العليا فتمنع أو بالرتبة الدنيا فلا تمنع فأعلاها شهادة الإنسان لنفسه  مجمع على ردها  ،  وأدناها شهادة الإنسان لرجل من قبيلته  أجمع على اعتبارها  ،  وبطلان هذه التهمة  ،  ومثال المتوسط بين هاتين الرتبتين شهادته لأخيه أو لصديقه الملاطف  ،  ونحو ذلك فوافقنا  أبو حنيفة   والشافعي   وأحمد بن حنبل  في عمودي النسب الآباء والأبناء لا يشهد لهم  ،  وخالفونا في الأخ والصديق الملاطف  ،  ووافقنا  ابن حنبل  في الزوجين فلا تقبل الشهادة لهما  ،  وخالفنا  الشافعي  فقبل  ،  ووافقنا  الشافعي   وابن حنبل  في اعتبار العداوة إلا أن تكون في الدين  ،  وقال  أبو حنيفة   [ ص: 71 ] العداوة مطلقا  ،  ونحو ذلك من المسائل المتوسطات لنا قوله عليه الصلاة والسلام { لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين   } احتجوا بظاهر قوله تعالى { شهيدين من رجالكم    } وبقوله { ذوي عدل منكم    } ونحو ذلك من الظواهر والفقه مع من كانت القواعد والنصوص معه أظهر  ،  ومن ذلك من ردت شهادته لفسقه أو كفره أو صغره أو رقه ثم أداها بعد زوال هذه الصفات فإنه يتهم في تنفيذ ما رد فيه منعناها نحن  وابن حنبل    . 
وقال  الشافعي   وأبو حنيفة  رضي الله عنهما يقبل الكل إلا الفاسق  ،  والفرق أن الفاسق تسمع شهادته ثم ينظر في عدالته فيتحقق الرد بالظهور على الفسق  ،  وأولئك لم تسمع شهادتهم لما علم من صفاتهم فلا يتحقق الرد الباعث على التهمة  ،  ولنا شهادة العوائد  ،  ولأنه مروي عن عثمان  رضي الله عنه  ،  ولأن العلم بصفاتهم لو وقع قبل الأداء لما وقع الأداء  ،  وإنما منعنا حيث وقع الأداء فصفاتهم حينئذ تكون مجهولة فسقط الفرق  ،  وعكسه لو حصل البحث عن الفسق قبل الأداء قبلت شهادته إذا لم ترد  ،  وصلحت حاله  ،  ومنعنا شهادة أهل البادية إذا قصدوا في التحمل  دون أهل الحاضرة في البياعات والنكاح والهبة ونحوها لأن العدول إليهم مع إمكان غيرهم تهمة في إبطال ما شهدوا به  ،  وقال  ابن حنبل  لا يقبل بدوي مطلقا على قروي . 
وقال  أبو حنيفة   والشافعي  تقبل مطلقا  ،  لنا الحديث المتقدم  ،  وفي  أبي داود    { لا تقبل شهادة بدوي على صاحب قرية    }  ،  وهو محمول عندنا على موضع التهمة جمعا بينه وبين العمومات الدالة على قبول الشهادة التي تقدمت  ،  وحملوهم الحديث على من لم تعلم عدالته من الأعراب قالوا وهو أولى لقلة التخصيص حينئذ في تلك العمومات في الصحيحين { أن أعرابيا شهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم على رؤية الهلال فقبل شهادته على الناس   }  ،  ولأن من قبلت شهادته في الجراح قبلت في غيرها كالحضري  ،  ولأن الجراح آكد من المال ففي المال أولى . 
والجواب عن الأول أن جمعنا أولى لأنه لو كان لأجل عدم العدالة لم يكن لتخصيصه بصاحب القرية فائدة بل للتهمة  ،  وعن الثاني نحن نقبله في الهلال لعدم التهمة المتقدم ذكرها  ،  وعن الثالث أن الجراح يقصد الخلوات دون المعاملات فكانت التهمة في المعاملات موجودة دون الجراح . 
     	
		
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					