( الحجة الرابعة ) قال به الشاهد واليمين مالك والشافعي ، وقال وابن حنبل ليس بحجة ، وبالغ في نقض الحكم أن حكم به قائلا هو بدعة ، وأول من قضى به أبو حنيفة ، وليس كما قال بل أكثر العلماء قال به معاوية ، والفقهاء السبعة ، وغيرهم لنا وجوه
( الأول ) ما في الموطإ { } ، وروي في المسانيد بألفاظ متقاربة ، وقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد عمرو بن دينار رواية عن ذلك في الأموال ابن عباس
( الثاني ) إجماع الصحابة على ذلك ، وروي ذلك عن أبي بكر وعمر وعلي ، وعدد كثير من غير مخالف روى ذلك وأبي بن كعب ، وغيره النسائي
( الثالث ) ولأن اليمين تشرع في حق من ظهر [ ص: 88 ] صدقه وقوي جانبه ، وقد ظهر لك في حقه بشاهده
( الرابع ) أنه أحد المتداعيين فتشرع اليمين في حقه إذا رجح جانبه كالمدعى عليه
( الخامس ) قياسا للشاهد على اليد
( السادس ) ولأن اليمين أقوى من المرأتين لدخولها في اللعان دون المرأتين ، وقد حكم بالمرأتين مع الشاهد فيحكم باليمين
( السابع ) ولقوله عليه السلام { } ، وهي مشتقة من البيان والشاهد واليمين يبين الحق البينة على من ادعى ، واليمين على من أنكر
( الثامن ) قوله تعالى { إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا } وهذا ليس بفاسق فوجب أن يقبل قوله مع اليمين لأنه لا قائل بالفرق احتجوا بوجوه :
( الأول ) قوله تعالى { واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان } فحصر المشروع عند عدم الشاهدين في الرجل والمرأتين والشاهد واليمين زيادة في النص ، والزيادة نسخ ، وهو لا يقبل في الكتاب بخبر الواحد
( الثاني ) { } ، ولم يقل شاهدك ، ويمينك قوله عليه السلام لحضرمي ادعى على كندي شاهداك أو يمينه
( الثالث ) قوله عليه السلام { } فحصر البينة في جهة المدعى ، واليمين في جهة المنكر لأن المبتدأ محصور في خبره ، واللام للعموم فلم تبق يمين في جهة المدعي البينة على من ادعى ، واليمين على من أنكر
( الرابع ) أنه لما تعذر نقل البينة للمنكر تعذر نقل اليمين للمدعي
( الخامس ) القياس على أحكام الأبدان
( السادس ) أن اليمين لو كان كالشاهد لجاز تقديمه على الشاهد كأحد الشاهدين مع الآخر ، ولجاز إثبات الدعوى بيمين ، والجواب عن الأول أنا لا نسلم أنه زيادة سلمناه لكن تمنع أنه نسخ لأن النسخ الرفع ، ولم يرتفع شيء ، وارتفاع الحصر يرجع إلى أن غير المذكور غير مشروع ، وكونه غير مشروع يرجع إلى البراءة الأصيلة ، والبراءة الأصيلة ترجع بخبر الواحد اتفاقا لأن الآية واردة في التحمل دون الأداء لقوله تعالى { إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه } ، والشرط للاستقبال فهو للتحمل ، ولقوله تعالى { أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى } ، واليمين مع الشاهد لا تدخل في التحمل فالحصر في التحمل باق ، ولا نسخ على التقديرين ، ولأن اليمين تشرع في حق من ادعى رد الوديعة ، وجميع الأمناء والقسامة ، واختلاف المتبايعين ، وينتقض ما ذكرتموه بالنكول ، وهو زيادة في حكم الآية ، وعن الثاني أن الحصر ليس مرادا بدليل الشاهد والمرأتين ، ولأنه قضاء يخص باثنين لخصوص حالهما فيعم ذلك النوع ، ونحن نقول كل من [ ص: 89 ] وجد في حقه تلك الصفة لا يقبل منه إلا شاهدان ، وعليكم أن تبينوا تلك الحالة مما قلنا نحن فيها بالشاهد واليمين ، وعن الثالث أن اليمين التي على المنكر لا تتعداه لأن اليمين التي عليه هي اليمين الدافعة واليمين مع الشاهد هي الجالبة فهي غيرها فلم يبطل الحصر ، وهو الجواب عن قولكم لما لم تتحول البينة لم تتحول اليمين فإنا لم نحول تلك اليمين بل أثبتنا يمينا أخرى بالسنة مع أن التحويل واقع غير منكر لأنه لو ادعى عليه فأنكر لم يكن للمنكر إقامة البينة ، ولو ادعى القضاء كان له إقامة البينة مع أنها بينة ثابتة في الحالين ، وعن الرابع بأن أحكام الأبدان أعظم ، ولذلك لا يقبل فيها النساء ، وعن الخامس الفرق بأن الشاهدين معناهما مستويان فلا مزية لأحدهما على الآخر في التقديم ، وأما اليمين فإنما تدخل لتقوية جهة الشاهد فقبله لا قوة فلا تدخل ، ولا تشرع ، والشاهدان شرعا لأنهما حجة مستقلة مع الضعف
( تنبيه ) وافقنا في أحكام الأبدان ، وخالفنا أبو حنيفة فيحلف المدعى عليه قبل قيام شاهد فإن نكل حلف المدعي لنا وجوه الشافعي
( الأول ) قوله عليه السلام { } فأخبر عليه السلام أنه لا يثبت إلا بهما فمن قال باليمين مع النكول فعليه الدليل لا نكاح إلا بولي ، وشاهدي عدل
( الثاني ) قوله تعالى { وأشهدوا ذوي عدل منكم } وإنما أمر بهذه الشهادة لأنها سبب الثبوت فينحصر الثبوت فيها ، وإلا لزم البيان في تأسيس القواعد ، وهو خلاف الأصل ، وعملا بالمفهوم
( الثالث ) أن الشاهد ، والمرأتين أقوى من اليمين والنكول لأنها حجة من جهة المدعي ، ولم يثبت فيها فلا يثبت بالآخر
( الرابع ) ما ذكروه يؤدي إلى استباحة الفروج بالباطل لأنه إذا أحبها ادعى عليها فتنكر فيحلفها فتنكل فيحلف ، ويستحقها بتواطؤ منهما
( الخامس ) أن المرأة قد تكره زوجها فتدعي عليه في كل يوم فتحلفه ، وكذلك الأمة تدعي العتق ، وهذا ضرر عظيم احتجوا بوجوه
( أحدها ) قضية عبد الرحمن بن سهل ، وهي في الصحاح ، وقال فيها عليه السلام تحلف لكم يهود خمسين يمينا
( الثاني ) أن كل حق توجهت اليمين فيه على المدعى عليه فإذا نكل ردت على المدعي قياسا على المال
( الثالث ) القياس على اللعان فإن المرأة تحد بيمين الزوج ، ونكولها من اليمين
( الرابع ) قوله عليه السلام { } ، وهو عام يتناول صورة النزاع البينة على من ادعى ، واليمين على من أنكر
( الخامس ) { لركانة لما طلق امرأته ألبتة ما أردت بالبتة قال واحدة فقال [ ص: 90 ] له عليه السلام والله ما أردت إلا واحدة فقال والله ما أردت إلا واحدة } فحلفه بعد دعوى امرأته الثلاث ، والجواب عن الأول أن الأيمان تثبت بعد اللوث ، وهو وجوده مطروحا بينهم ، وهم أعداؤه ، وغلظت خمسين يمينا بخلاف صورة النزاع في المقيس ، ولأن القتل نادر ، وفي الخلوات حيث يتعذر الإشهاد فغلظ أمره لحرمة الدماء ، وعن الثاني أن المدعى عليه هاهنا لا يحلف بمجرد الدعوى فانحسمت المادة ، وعن الثالث أن اللعان مستثنى للضرورة ، ولا ضرورة هاهنا فجعلت الأيمان مقام الشهادة لتعذرها ، وضرورة الأزواج لنفي العار وحفظ النسب ، وعن الرابع أنه مخصوص بما ذكرناه من الضرورات ، وخطر الباب ، وعن الخامس ، وإن صح الفرق أن أصل الطلاق يثبت بلفظ صالح بل ظاهر للثلاث ، ودعوى المرأة أصل الطلاق ليس فيه ظهور بل مرجوح باستصحاب العصمة أنه عليه السلام قال
( تنبيه ) قال العبدي أربعة مالك الأموال والكفالة والقصاص في جراح العمد والخلطة التي هي شرط في التحليف في بعض الأموال يثبت بالشاهد واليمين في مذهب النكاح والطلاق والعتاق والولاء والأحباس ، والوصايا لغير المعين ، وهلال رمضان وذي الحجة ، والموت والقذف والإيصاء ، وترشيد السفيه ، ونقل الشهادة ، والمختلف فيها هل نثبت بهما أم لا خمسة الوكالة ، ونكاح امرأة قد ماتت والتجريح والتعديل ، والذي لا يثبت بالشاهد واليمين ثلاثة عشر
( تنبيه ) قبول رحمه الله الشاهد واليمين في القصاص في جراح العمد اعتمادا على أنها يصالح عليها بالمال في بعض الأحوال مشكل جدا فإنه إلغاء للأصل ، واعتبار للطوارئ البعيدة ، وذلك لازم له في النفس أيضا ، وهو خلاف الإجماع ، ويشكل عليه أيضا بأنه لم يقل بهما في الأحباس مع أنها منافع ، ولا في الولاء ، ومآله إلى الإرث ، وهو مال والوصايا ، وهي مال ، وترشيد السفيه يئول لصحة البيع وغيره ، وهو مال ، والمال في هذه الصور أقرب من المال في جراح العمد لا سيما وهو يبيح القصاص بذلك ، ومتى يقع الصلح فيها فهي مشكلة ، وعدم قبوله هذه الحجة في الأحباس ، وما ذكر معها مشكل مع أن قاعدة المذهب أن الوكالة إذا كانت تئول إلى مال تثبت بالشاهد واليمين وكذلك كل ما مآله إلى المال عكسه لا يثبت بالشاهد واليمين فتأمل ذلك إلا أن يريد في الحبس على غير المعين فإنه [ ص: 91 ] يتعذر الحلف من غير المعين كالوصية لغير المعين ، وهو الذي تقتضيه قواعد المذهب . مالك