( الحجة الرابعة عشرة ) ، ولقبولها عشرة شروط : ( الأول ) العقل ليفهموا ما رأوا ( الثاني ) الذكورية لأن الضرورة لا تحصل في اجتماع الإناث ، وروي عن [ ص: 98 ] شهادة الصبيان بعضهم على بعض في القتل والجراح خاصة تقبل شهادتهن اعتبارا لهن بالبالغات لوثا في القسامة . ( الثالث ) الحرية لأن العبد لا يشهد . مالك
( الرابع ) الإسلام لأن الكافر لا يقبل في قتال ، ولا جراح لأن الضرورة إنما دعت لاجتماع الصبيان لأجل الكفار ، وقيل تقبل في الجراح لأنها شهادة ضعيفة فاقتصر فيها على أضعف الأمرين ( الخامس ) أن يكون ذلك بينهم لعدم ضرورة مخالطة الكبير لهم ( السادس ) أن يسمع ذلك منهم قبل التفرق لئلا يلقنوا الكذب ( السابع ) اتفاق أقوالهم لأن الاختلاف يخل بالثقة ( الثامن ) أن يكونوا اثنين فصاعدا لأنهم لا يكون حالهم أتم من الكبار هذا هو نقل القاضي في المعونة ، وزاد ابن يونس ( التاسع ) أن لا يحضر كبار فمتى حضر كبار فشهدوا سقط اعتبار شهادة الصبيان كان الكبار رجالا أو نساء لأن شهادة النساء تجوز في الخطأ ، وعمد الصبي كالخطأ .
( العاشر ) رأيت بعض المعتبرين من المالكية يقول لا بد من حضور الجسد المشهود بقتله ، وإلا فلا تسمع ، ونقله صاحب البيان عن جماعة من الأصحاب قالوا لا بد من شهادة العدول على رؤية البدن مقتولا تحقيقا للقتل ، ومنع أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل من أصحابنا ، وجماعة من العلماء شهادة الصبيان ، وقال بقبولها وأشهب علي وابن الزبير وعمر بن الخطاب ، وخالفهم ومعاوية لنا قوله تعالى { ابن عباس وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة } واجتماع الصبيان للتدريب على الحرب من أعظم الاستعداد ليكونوا كبارا أهلا لذلك ، ويحتاجون في ذلك لحمل السلاح حيث لا يكون معهم كبير فلا يجوز هدر دمائهم فتدعو الضرورة لقبول شهادتهم على الشروط المتقدمة ، والغالب مع تلك الشروط الصدق ، وندرة الكذب فتقدم المصلحة الغالبة على المفسدة النادرة لأنه دأب صاحب الشرع كما جوز الشرع شهادة النساء منفردات في الوضع الذي لا يطلع عليه الرجال للضرورة ، ولأنه قول الصحابة احتجوا بوجوه :
( الأول ) قوله تعالى { واستشهدوا شهيدين من رجالكم } وهو يمنع شهادة غير البالغ ( الثاني ) قوله تعالى { وأشهدوا ذوي عدل منكم } والصبي ليس بعدل ( الثالث ) قوله تعالى { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } ، وهو نهي ، ولا يتناول النهي الصبي فدل على أنه ليس من الشهداء ( الرابع ) أنه لا يعتبر إقراره فلا تعتبر شهادته كالمجنون ( الخامس ) أن الإقرار أوسع من الشهادة لقبوله من البر ، والفاجر فإذا كان لا يقبل فلا تقبل الشهادة ( السادس ) القياس على غير الجراح ( السابع ) لو قبلت لقبلت إذا [ ص: 99 ] افترقوا كالكبار ، وليس كذلك الثامن أنها لو قبلت لقبلت في تخريق ثيابهم في الخلوات أو لجازت شهادة النساء بعضهن على بعض في الجراح ، والجواب عن الأول إنما نمنع الإناث لاندراج الصبيان مع الرجال في قوله تعالى { وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين } ، ولأن الأمر بالاستشهاد إنما يكون في المواضع التي يمكن إنشاء الشهادة فيها اختيارا لأن من شرط النهي الإمكان ، وهذا موضع ضرورة تقع فيه الشهادة بغتة فلا يتناوله الأمر فيكون مسكوتا عنه .
وهو الجواب عن الآية الثانية ، وعليه تحمل الآية الثالثة في الشهداء الذين استشهدوا اختيارا مع أن هذه الظواهر عامة ، ودليلنا خاص فيقدم عليها ، وعن الرابع أن إقرار الصبي إن كان في المال فنحن نسويه بالشهادة فإنهما لا يقبلان في المال أو في الدماء إن كانت عمدا خطأ فيئول إلى الدية فيكون إقرارا على غيره فلا يقبل كالبالغ ، وهو الجواب عن الخامس ، وعن السادس أن الفرق تعظيم حرمة الدماء بدليل قبول القسامة ، ولا يقسم على درهم ، وعن السابع أن الافتراق يحتمل التعليم والتغيير والصغير إذا خلي ، وسجيته الأولى لا يكاد يكذب ، والرجال لهم وازع شرعي إذا افترقوا بخلاف الصبيان ، وعن الثامن التفريق لعظم حرمت الدماء ، ولأن اجتماعهم ليس لتخريق ثيابهم بخلاف الضرب والجراح ، وأما النساء فلا يجتمعن للقتال ، ولا هو مطلوب منهن .
[ ص: 100 - 103 ]