( الفرق الأربعون والمائتان بين قاعدة ما يصح الإقراع فيه  وبين قاعدة ما لا يصح الإقراع فيه    ) 
اعلم أنه متى تعينت المصلحة أو الحق في جهة لا يجوز الإقراع بينه وبين غيره لأن في القرعة ضياع ذلك الحق المتعين أو المصلحة المتعينة  ،  ومتى تساوت الحقوق أو المصالح فهذا هو موضع القرعة  عند التنازع دفعا للضغائن والأحقاد  ،  والرضا بما جرت به الأقدار  ،  وقضى به الملك الجبار فهي مشروعة بين الخلفاء إذا استوت فيهم الأهلية للولاية  ،  والأئمة والمؤذنين إذا استووا  ،  والتقدم للصف الأول عند الازدحام وتغسيل الأموات عند تزاحم الأولياء  ،  وتساويهم في الطبقات وبين الحاضنات والزوجات في السفر والقسمة والخصوم عند الحكام  ،  وفي عتق العبيد إذا أوصى بعتقهم أو بثلثهم في المرض ثم مات  ،  ولم يحملهم الثلث عتق مبلغ الثلث منهم  [ ص: 112 ] بالقرعة  ،  ولو لم يدع غيرهم عتق ثلثهم أيضا بالقرعة  ،  وقاله  الشافعي   وابن حنبل  رضي الله عنهما  ،  وقال  أبو حنيفة  رضي الله عنه لا تجوز القرعة فيما إذا أوصى بهم ويعتق من كل واحد ثلثه  ،  ويستسعى في باقي قيمته للورثة حتى يؤديها فيعتق  ،  لنا وجوه : 
( الأول ) ما في الموطإ { أن رجلا أعتق عبيدا له عند موته فأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم  ،  وأعتق ثلث العبيد   } قال  مالك  ،  وبلغني أنه لم يكن لذلك الرجل مال غيرهم 
( الثاني ) في الصحاح أن { رجلا أعتق ستة مماليك له في مرضه لا مال له غيرهم فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم فجزاهم فأقرع بينهم فأعتق اثنين ورق أربعة   } 
( الثالث ) إجماع التابعين رضي الله عنهم على ذلك قاله  عمر بن عبد العزيز   وخارجة بن زيد   وأبان بن عثمان   وابن سيرين  وغيرهم  ،  ولم يخالفهم من عصرهم أحد 
( الرابع ) وافقنا  أبو حنيفة  رضي الله عنه في قسمة الأرض لعدم المرجح  ،  وذلك هنا موجود فثبت قياسا عليه 
( الخامس ) أن في الاستسعاء مشقة وضررا على العبيد بالإلزام  ،  وعلى الورثة بتأخير الحق وتعجيل حق الموصى له  ،  والقواعد تقتضي تقديم حق الوارث لأن له الثلثين 
( السادس ) أن مقصود الوصي كمال العتق في العبد ليتفرغ للطاعات  ،  ويجوز الاكتساب والمنافع من نفسه  ،  وتجزئة العتق تمنع من ذلك  ،  وقد لا يحصل الكمال أبدا احتجوا بوجوه : ( الأول ) قول النبي صلى الله عليه وسلم { لا عتق إلا فيما يملك ابن آدم    }  ،  والمريض مالك الثلث من كل عبد فينفذ عتقه فيه  ،  ولأن الحديث المتقدم واقعة عين لا عموم فيها  ،  ولأن قوله اثنين يحتمل شائعين لا معينين  ،  ويؤكده أن العادة تحصي اختلاف قيم العبيد فيتعذر أن يكون اثنان معينان ثلث ماله . 
( الثاني ) أن القرعة على خلاف القرآن لأنها من الميسر  ،  وعلى خلاف القواعد لأن فيه نقل الحرية بالقرعة . ( الثالث ) أنه لو أوصى بثلث كل واحد صح فينفذ هاهنا قياسا على ذلك  ،  وعلى حال الصحة . 
( الرابع ) أنه لو باع ثلث كل عبد جاز  ،  والبيع يلحقه الفسخ  ،  والعتق لا يلحقه الفسخ فهو أولى بعدم القرعة لأن فيها تحويل العتق . ( الخامس ) أنه لو كان مالكا لثلثهم فأعتقه لم يجتمع ذلك في اثنين منهم  ،  والمريض لم يملك غير الثلث فلا يجتمع لأنه لا فرق بين عدم المالك  ،  والمنع من التصرف في نفوذ العتق . 
( السادس ) أن القرعة إنما تدخل في جميع الحقوق فيما يجوز التراضي عليه لأن  [ ص: 113 ] الحرية حالة الصحة لما لم يجز التراضي على انتفاضها لم تجز القرعة فيها  ،  والأموال يجوز التراضي فيها فدخلت القرعة فيها . والجواب ( عن الأول ) أن العتق إنما وقع فيما يملك  ،  وما قال العتق في كل ما يملك فإذا نفذ العتق في عبدين وقع العتق فيما يملك . 
وقولهم إنها قضية عين فنقول هي وردت في تمهيد قاعدة كلية كالرجم وغيره فتعم  ،  ولقوله عليه السلام { حكمي على الواحد حكمي على الجماعة   }  ،  وقوله أنه يحتمل أن يكون شائعا باطلا بالقرعة لأنها لا معنى لها مع الإشاعة  ،  واتفاقهم في القيمة ليس متعذرا عادة لا سيما مع الجلب ووخش الرقيق ( وعن الثاني ) أن الميسر هو القمار  ،  وتمييز الحقوق ليس قمارا  ،  وقد أقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أزواجه وغيرهم  ،  واستعملت القرعة في شرائع الأنبياء عليهم السلام لقوله تعالى { فساهم فكان من المدحضين    } الآية  ،  و { إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم    } وليس فيها نقل الحرية لأن عتق المريض لم يتحقق لأنه إن صح عتق الجميع  ،  وإن طرأت ديون بطل  ،  وإن مات  ،  وهو يخرج من الثلث عتق من الثلث فلم يقع في علم الله تعالى من العتق إلا ما أخرجته القرعة ( وعن الثالث ) أن مقصود الهبة والوصية التمليك  ،  وهو حاصل في ملك الشائع كغيره  ،  ومقصود العتق التخليص للطاعات . 
والاكتساب  ،  ولا يحصل مع التبعيض  ،  ولأن الملك شائعا لا يؤخر حق الوارث كما تقدم في الوصية  ،  وهاهنا يتأخر بالاستسعاء ( وعن الرابع ) أن البيع لا ضرر فيه على الوارث كما تقدم في الوصية  ،  ولا  [ ص: 114 ] يحصل تحويل العتق كما تقدم ( وعن الخامس ) أنه إذا ملك الثلث فقط لم يحصل تنازع العتق في  ،  ولا حرمان من تناوله لفظ العتق ( وعن السادس ) أن الوارث لو رضي بتنفيذ عتق الجميع لصح فهو يدخله الرضا فهذه المباحث  ،  وهذه الاختلافات والاتفاقات يتخلص منها الفرق بين قاعدة ما تدخله القرعة  ،  وما لا تدخله القرعة  ،  وأن ضابطه التساوي مع قبول الرضا بالنقل  ،  وما فقد فيه أحد الشرطين تعذرت فيه القرعة  ،  والله تعالى أعلم بالصواب . 
     	
		
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					