الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[ ص: 134 ] مسألة ) . اتفق الناس فيما علمت على تكفير إبليس بقضيته مع آدم عليه السلام ، وليس مدرك الكفر فيها الامتناع من السجود ، وإلا لكان كل من أمر بالسجود فامتنع منه كافرا ، وليس الأمر كذلك ، ولا كان كفره لكونه حسد آدم على منزلته عند الله تعالى ، وإلا لكان كل حاسد كافرا ، ولا كان كفره لعصيانه وفسوقه من حيث هو عصيان وفسوق ، وإلا كان كل عاص وفاسق كافرا وقد أشكل ذلك على جماعة من الفقهاء وينبغي أن تعلم أن إبليس إنما كفر بنسبة الله تعالى إلى [ ص: 135 ] الجور والتصرف الذي ليس بمرضي ظهر ذلك من فحوى قوله { أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين } ومراد أن إلزام العظيم الجليل بالسجود للحقير من التصرف الرديء والجور والظلم فهذا وجه كفره ، وقد أجمع المسلمون على أن من نسب الله تعالى لذلك فقد كفر ؛ لأنه من الجرأة العظيمة .

التالي السابق


حاشية ابن الشاط

قال ( مسألة اتفق الناس فيما علمت على تكفير إبليس بقضيته مع آدم عليه السلام ، وليس مدرك الكفر فيها الامتناع من السجود ، وإلا لكان كل من أمر بالسجود فامتنع منه كافرا ، ولا بحسده لآدم لمنزلته عند الله تعالى ، وإلا لكان كل حاسد كافرا ، ولا كان كفره لعصيانه وفسوقه من حيث هو عصيان وفسوق ، وإلا لكان كل عاص وفاسق كافرا ) . قلت : ما قاله من لزوم الكفر لكل ممتنع من السجود ولكل حاسد ولكل عاص ليس بصحيح ؛ لأنه لا يمتنع في العقل أن يجعل الله تعالى حسدا ما وامتناعا ما وعصيانا ما دون سائر ما هو من جنسه كفرا إذ كون أمر ما كفرا أو غير كفر أمر وضعي وضعه الشارع لذلك فلا مانع من أن يكون كفره لامتناعه أو لحسده . قال : ( وقد أشكل ذلك على جماعة من الفقهاء وينبغي أن يعلم أن إبليس إنما كفر بنسبة الله تعالى إلى [ ص: 135 ] الجور والتصرف الذي ليس بمرضي ، ظهر ذلك من فحوى قوله { أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين } ومراده أن إلزام العظيم الجليل بالسجود للحقير من التصرف الرديء والجور والظلم ) قلت : ما قاله في ذلك محتمل ، وهو الظاهر مع احتمال أن يكون كفره لامتناعه أو لحسده أو لهما مع ذكره من التجوير أو التجوير خاصة فلا مانع من عقل ولا نقل من ذلك .

قال : ( فهذا وجه كفره وقد أجمع المسلمون على أن من نسب الله تعالى لذلك فقد كفر ؛ لأنه من الجرأة العظيمة ) قلت : ما قاله من الإجماع صحيح ، وما قاله من أن ذلك من الجرأة العظيمة ليس بصحيح بل إنما كان ذلك لأنه من الجهل العظيم بجلال الله تعالى وبأنه منزه من التصرف الرديء والجور والظلم ، وأن ذلك ممتنع في حقه عقلا وسمعا ، وما قاله في المسألة صحيح إن كان ما بنى عليه كلاما صحيحا [ ص: 136 ]



حاشية ابن حسين المكي المالكي

( المسألة الثانية ) قال الأصل : اتفق الناس فيما علمت على تكفير إبليس بقضيته مع آدم عليه السلام ، وليس مدرك الكفر فيها الامتناع من السجود ، وإلا لكان كل من أمر بالسجود فامتنع منه كافرا ، وليس الأمر كذلك ، ولا كان كفره لكونه حسد آدم على منزلته عند الله تعالى ، وإلا لكان كل حاسد كافرا ، وليس كذلك ، ولا كان كفره لعصيانه وفسوقه من حيث هو عصيان وفسوق ، وإلا لكان كل عاص وفاسق كافرا ، وليس كذلك . وقد أشكل ذلك على جماعة من الفقهاء بل ينبغي أن تعلم أن مدرك كفره فيها إنما هو بنسبة الله تعالى إلى الجور والتصرف الذي ليس بمرضي كما ظهر ذلك من فحوى قوله { أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين } ، ومراده أن إلزام العظيم الجليل بالسجود للحقير من التصرف الرديء والجور والظلم ، وقد أجمع المسلمون على أن من نسب الله تعالى لذلك فقد كفر ؛ لأنه من الجرأة العظيمة .




الخدمات العلمية