( الفرق الثامن والستون والمائتان بين ) قاعدة الرؤيا التي تجوز تعبيرها وقاعدة الرؤيا التي لا يجوز تعبيرها
قال صاحب القبس تقول العرب : رأيت رؤية إذا عاينت ببصرك ، ورأيت رأيا إذا اعتقدت بقلبك ، ورأيت رؤيا بالقصر إذا عاينت في منامك ، وقد تستعمل في اليقظة .
( قلت : ) قال الله سبحانه { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس } والجمهور على أنها في اليقظة قال الكرماني في كتابه الكبير : الرؤيا ثمانية أقسام سبعة منها لا تعبر ، وواحدة فقط تعبر ، والسبعة أربعة منها نشأت عن الأخلاط الأربعة الغالبة على مزاج الرائي فمن غلب عليه خلط رأى ما يناسبه فمن غلبت عليه السوداء رأى الألوان السود والأشياء المحرقة والطعوم الحامضة ؛ لأنه طعم السوداء ويعرف ذلك بالأدلة الطبية الدالة على غلبة ذلك الخلط على ذلك الرائي ، ومن غلبت عليه الصفراء رأى الألوان الصفر والطعوم المرة والسموم والحرور والصواعق ونحو ذلك ، ومن غلب عليه الدم يرى الألوان الحمر والطعوم الحلوة وأنواع الطرب ؛ لأن الدم مفرح حلو ، والصفراء مسخنة مرة ، ومن غلب عليه البلغم رأى الألوان البيض والأمطار والمياه والثلج ( القسم الخامس ) ما هو من حديث النفس ويفهم ذلك بجولانه في اليقظة وكثرة الفكر فيه فيستولي على النفس فتتكيف به فيراه في النوم ( القسم السادس ) ما هو من الشيطان ، ويعرف بكونه فيه حث على أمر تنكره الشريعة أو بأمر معروف جائز غير أنه يؤدي إلى أمر منكر كما إذا أمره بالتطوع بالحج فتضيع عائلته أو يعق بذلك أبويه ( القسم السابع ) ما كان فيه احتلام ( القسم الثامن ) هو الذي يجوز تعبيره ، وهو ما خرج عن هذه ، وهو ما ينقله ملك [ ص: 242 ] الرؤيا من اللوح المحفوظ ، فإن الله - عز وجل - وكل ملكا باللوح المحفوظ ينقل لكل أحد ما يتعلق به من اللوح المحفوظ من أمر الدنيا والآخرة من خير أو شر لا يترك من ذلك شيئا علمه من علمه وجهله من جهله ذكره من ذكره ونسيه من نسيه وهذا هو الذي يجوز تعبيره ، وما عداه لا يعبر وفي الفرق سبع مسائل .
( المسألة الأولى )
خرج في الموطإ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { مالك جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح } قال صاحب المنتقى : قال جماعة من العلماء : معناه أن مدة نبوته صلى الله عليه وسلم كانت ثلاثا وعشرين سنة منها ستة أشهر نبوة بالرؤيا فأول ما بدئ به عليه السلام الرؤيا الصادقة فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح ونسبة ستة أشهر من ثلاث وعشرين سنة جزء من ستة وأربعين جزءا وقيل : أجزاء من النبوة لم يطلع عليها أحد ، وروي جزء من خمسة وأربعين وروي من سبعين فيحتمل أن يكون ذلك اختلافا في الرؤيا فيحمل الأول على الجلية والأكثر من العدد على الرؤيا الخفية أو تكون الستة والأربعون هي المبشرة ، والسبعون هي المحزنة والمخوفة لقلة تكرره ، ولما يكون جنسه من الشيطان ، وفي القبس روي أيضا خمسة وستون جزءا من النبوة وخمسة وأربعون فاختلفت الأعداد ؛ لأنها رؤيا النبوة لا نفس النبوة وجعلت بشارات بما أعطاه الله من فضله جزءا من سبعين في الابتداء ثم زاد حتى بلغ خمسا وأربعين قال : وتفسيرها بمدة رسول الله صلى الله عليه وسلم باطل ؛ لأنه مفتقر لنقل صحيح ، ولم يوجد ، قال : الأحسن قول الإمام الطبري عالم القرآن والسنة : إن نسبة هذه الأعداد إلى النبوة إنما هو بحسب اختلاف الرائي فرؤيا الرجل الصالح على نسبته ، والذي دون درجته دون ذلك وقوله : عليه السلام { } حض على نقلها والاهتمام بها ليبقى لهم بعده عليه السلام جزء من النبوة فبشر بذلك أمته . لم يبق بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة
ولا يعبر الرؤيا إلا من يعلمها ويحسنها ، وإلا فليترك .
وسئل رحمه الله تعالى أيفسر الرؤيا كل أحد ؟ قال : أبالنبوة يلعب قيل : له أيفسرها على الخير ، وهي عنده على الشر لقول من يقول : الرؤيا على ما أولت فقال : الرؤيا جزء من أجزاء النبوة أفيتلاعب بأمر النبوة . مالك
وفي الموطإ { } . الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان فإن رأى أحدكم الشيء يكرهه فليتفل يساره ثلاث مرات إذا استيقظ وليتعوذ بالله من شرها فإنها لن تضره إن [ ص: 243 ] شاء الله - تعالى -
قال الباجي : فيحتمل أن يريد بالرؤيا الصالحة المبشرة ويحتمل الصادقة من الله - تعالى - ويريد بالحلم ما يحزن ويحتمل أن يريد به الكاذب يخيل به ليفرح أو يحزن قال : يقول في الاستعاذة إذا نفث عن يساره : أعوذ بمن استعاذت به ملائكة الله ورسله من شر ما رأيت في منامي هذا أن يصيبني منه شيء أكرهه ثم يتحول على جانبه الآخر قال ابن وهب في المقدمات ابن رشد أن رؤيا غيرهم إذا أخطأ في تأويلها لا تخرج كما أولت ورؤيا غير الصالح لا يقال فيها جزء من النبوة ، وإنما يلهم الله - تعالى - الرائي التعوذ إذا كانت من الشيطان أو قدر أنها لا تصيبه وإن كانت من الله - تعالى - فإن شر القدر قد يكون وقوعه موقوفا على عدم الدعاء : الفرق بين رؤيا الأنبياء وغيرهم
[ ص: 242 - 243 ]