( المسألة الخامسة )
قال العلماء : إنما أحدهما صحابي رآه فعلم صفته فانطبع في نفسه مثاله فإذا رآه جزم بأنه رأى مثاله المعصوم من الشيطان فينتفي عند اللبس والشك في رؤيته عليه السلام ، وثانيهما : رجل تكرر عليه سماع صفاته المنقولة في الكتب حتى انطبعت في نفسه صفته عليه السلام ومثاله المعصوم كما حصل ذلك لمن رآه فإذا رآه [ ص: 245 ] جزم برؤية مثاله عليه السلام كما يجزم به من رآه فينتفي عنه اللبس والشك في رؤيته عليه السلام وأما غير هذين فلا يحصل له الجزم بل يجوز أن يكون رآه عليه السلام بمثاله ، ويحتمل أن يكون من تخييل الشيطان ، ولا يفيد قول المرئي لمن يراه : أنا رسول الله ، ولا قول من يحضر معه هذا رسول الله ؛ لأن الشيطان يكذب لنفسه ويكذب لغيره فلا يحصل الجزم إذا تقرر هذا وأنه لا بد من رؤية مثاله المخصوص فيشكل ذلك بما تقرر في كتب التعبير أن الرائي يراه شيخا وشابا وأسود وذاهب العينين وذاهب اليدين وعلى أنواع شتى من المثل التي ليست مثاله عليه السلام فالجواب عن هذا أن هذه الصفات صفات الرائي ، وأحوالهم تظهر فيه عليه السلام ، وهو كالمرآة لهم قلت لبعض مشايخي : فكيف يبقى المثال مع هذه الأحوال المضادة له فقال لي : لو كان لك أب شاب تغيبت عنه ثم جئته فوجدته شيخا أو أصابه يرقان أصفر أو يرقان أسود أو أصابه برص ، أو جذام ، أو قطعت أعضاؤه أكنت تشك فيه أنه أبوك قلت : لا فقال لي ما ذاك إلا لما ثبت في نفسك من مثاله المتقدم عندك الذي لا تجهله بعروض هذه الصفات له فكذلك من ثبت عنده في نفسه مثال رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا لا يشك فيه مع عروض هذه الأحوال له ومن لم يكن كذلك لا يثق بأنه رآه عليه السلام وإذا صح له المثال ، وانضبط فالسواد يدل على ظلم الرائي ، والعمى يدل على عدم إيمانه ؛ لأنه إدراك ذاهب وقطع اليد يدل على أنه يمنع من ظهور الشريعة ونفوذ أوامرها ، فإن اليد يعبر بها عن القدرة وكونه أمرد يدل على الاستهزاء به ، فإن الشاب يحتقر ، وكونه شيخا يدل على تعظيم النبوة ؛ لأن الشيخ يعظم ، وغير ذلك من الصفات الدالة على الأحكام المختلفة تصح رؤية النبي عليه السلام لأحد رجلين
[ ص: 245 ]