. وله مثل : أن ( القسم الرابع ) أن يطلب الداعي من الله تعالى ثبوت ما دل القاطع العقلي على نفيه مما يخل ثبوته بجلال الربوبية ، وقد دل القاطع العقلي على استحالة ذلك على الله فطلب ذلك كفر . يعظم شوق الداعي إلى ربه حتى يسأله أن يحل في بعض مخلوقاته حتى يجتمع به أو يعظم خوفه من الله تعالى فيسأل الله ذلك حتى يأخذ منه الأمان على نفسه فيستبدل من وحشته أنسا
( الثاني ) أن تعظم حماقة الداعي وتجرؤه ، وقد دل القاطع العقلي على استحالة ثبوت ذلك لغير الله تعالى فيكون طلب ذلك طلبا للشركة مع الله تعالى في الملك وهو كفر [ ص: 263 ] وقد وقع ذلك لجماعة من جهال فيسأل الله تعالى أن يفوض إليه من أمور العالم ما هو مختص بالقدرة والإرادة الربانية من الإيجاد والإعدام والقضاء النافذ المحتم الصوفية فيقولون فلان أعطي كلمة كن ويسألون أن يعطوا كلمة كن التي في قوله تعالى { إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون } وما يعلمون معنى هذه الكلمة في كلام الله تعالى ولا يعلمون ما معنى إعطائها إن صح أنها أعطيت ، وهذه أغوار بعيدة الروم على العلماء المحصلين فضلا عن الصوفية المتخرصين فيهلكون من حيث لا يشعرون ويعتقدون أنهم إلى الله تعالى متقربون وهم عنه متباعدون عصمنا الله تعالى من الفتن وأسبابها والجهالات وشبهها .
( الثالث ) أن ، وقد دل القاطع العقلي على استحالة النسب وأسباب الاستيلاد الموجبة للأنساب فيكون هذا الدعاء طلبا لصدور الاستيلاد في حق الله تعالى فيكون كفرا وألحق بهذه المثل نظائرها فهذه كلها وجوه مخلة بجلال الربوبية تقع للعباد الجهال ومن استحوذ عليه الشيطان [ ص: 264 ] وقد قال يسأل الداعي ربه أن يجعل بينه وبينه نسبا فيحصل له الشرف على الخلائق في الدنيا والآخرة رضي الله عنه إن الشيخ أبو الحسن الأشعري ويكون ردة في حقه لاستلزامه إرادة الكفر وكذلك أفتى بأن بناء الكنائس كفر إذا بناها مسلم كان كافرا لإرادته إماتة شريعته وإرادة إماتة الشرائع كفر . واعلم أن الجهل بما تؤدي إليه هذه الأدعية ليس عذرا للداعي عند الله تعالى ؛ لأن القاعدة الشرعية دلت على أن كل جهل يمكن المكلف دفعه لا يكون حجة للجاهل فإن الله تعالى بعث رسله إلى خلقه برسائله وأوجب عليهم كافة أن يعلموها ثم يعملوا بها فالعلم والعمل بها واجبان فمن ترك التعلم والعمل وبقي جاهلا فقد عصى معصيتين لتركه واجبين وإن علم ولم يعمل فقد عصى معصية واحدة بترك العمل ومن علم وعمل فقد نجا ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { المسلم إذا قتل نبيا يعتقد صحة رسالته الناس كلهم هلكى إلا العالمون والعالمون كلهم هلكى إلا العاملون والعاملون كلهم هلكى إلا المخلصون والمخلصون على خطر عظيم } فحكم على جميع الخلائق بالهلاك إلا العلماء منهم .
ثم ذكر شروطا أخر مع العلم في النجاة من الهلاك نعم كما لو الجهل الذي لا يمكن رفعه للمكلف بمقتضى العادة يكون عذرا فهذه الجهالات يعذر بها إذ لو اشترط اليقين في هذه الصور وشبهها لشق ذلك على المكلفين فيعذرون بذلك ، وأما الجهل الذي يمكن رفعه لا سيما مع طول الزمان [ ص: 265 ] واستمرار الأيام والذي لا يعلم اليوم يعلم في غد ولا يلزم من تأخير ما يتوقف على هذا العلم فساد فلا يكون عذرا لأحد ولذلك ألحق تزوج أخته فظنها أجنبية أو شرب خمرا يظنه خلا أو أكل طعاما نجسا يظنه طاهرا مباحا الجاهل في العبادات بالعامد دون الناسي ؛ لأنه جهل يمكنه رفعه فسقط اعتباره ، وكذلك قال الله تعالى في كتابه العزيز حكاية عن مالك نوح عليه السلام { إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم } أي بجواز سؤاله فاشترط العلم بالجواز قبل الإقدام على الدعاء وهو يدل على أن الأصل في الدعاء التحريم إلا ما دل الدليل على جوازه وهذه قاعدة جليلة يتخرج عليها كثير من الفروع الفقهية .
وقد تقدم بسطها في الفروق إذا تقرر هذا فينبغي للسائل أن يحذر هذه الأدعية وما يجري مجراها حذرا شديدا لما تؤدي إليه من سخط الديان والخلود في النيران وحبوط الأعمال وانفساخ الأنكحة واستباحة الأرواح والأموال وهذا فساد كله يتحصل بدعاء واحد من هذه الأدعية ولا يرجع إلى الإسلام ولا ترتفع أكثر هذه المفاسد إلا بتجديد الإسلام والنطق بالشهادتين فإن مات على ذلك كان أمره كما ذكرناه نسأل الله تعالى العافية من موجبات عقابه ، وأصل كل فساد في الدنيا والآخرة إنما هو الجهل فاجتهد في إزالته عنك ما استطعت كما أن أصل كل خير في الدنيا والآخرة إنما هو العلم فاجتهد في تحصيله ما استطعت والله تعالى هو المعين على الخير كله فهذه الأربعة الأقسام بتميزها حصل الفرق بين ما هو كفر من الدعاء وما ليس بكفر وهو المطلوب