وقولي بطريق الآحاد احتراز من المتواتر فإن طلب نفي ذلك من قبيل الكفر كما تقدم وله أمثلة ( الأول ) أن ( القسم الخامس ) في المحرم الذي ليس بكفر أن يطلب الداعي من الله تعالى نفي ما دل السمع الوارد بطريق الآحاد على ثبوته ، وقد [ ص: 282 ] دلت الأحاديث الصحيحة أنه لا بد من دخول طائفة من المسلمين النار وخروجهم منها بشفاعة وبغير شفاعة ، ودخولهم النار إنما هو بذنوبهم فلو غفر للمسلمين كلهم ذنوبهم كلها لم يدخل أحد النار فيكون هذا الدعاء مستلزما لتكذيب تلك الأحاديث الصحيحة فيكون معصية ولا يكون كفرا ؛ لأنها أخبار آحاد والتكفير إنما يكون بجحد ما علم ثبوته بالضرورة أو بالتواتر ، فإن قلت فمن آداب الدعاء إذا قال الإنسان اللهم اغفر لي أن يقول ولجميع المسلمين وهذا خلاف ما قررته ، . يقول اللهم اغفر للمسلمين جميع ذنوبهم
وقد أخبر تعالى عن الملائكة صلوات الله عليهم أنهم يقولوا { ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم } أي تابوا من الكفر واتبعوا الإسلام ولفظ الذين عام في التائبين من الكفر وهم المؤمنون فيكون عاما في المؤمنين ، وكذلك قوله تعالى { ويستغفرون لمن في الأرض } عام في جميع من في الأرض وهو خلاف ما قررته قلت الجواب عن الأول أن الإنسان إذا قال اللهم اغفر لي ، فإن أراد المغفرة من حيث الجملة لا على وجه التعميم صح أن يشرك معه كافة المسلمين فيما طلبه لنفسه لأنه لا منافاة بين مغفرة بعض الذنوب ودخولهم النار ببعض [ ص: 283 ] آخر فلا ينافي أحاديث الشفاعة وإن أراد مغفرة جميع ذنوبه صح ذلك في حقه ؛ لأنه لم يتعين أن يكون من الداخلين النار الخارجين بالشفاعة ، وأما في حق المؤمنين ، فإن أراد المغفرة من حيث الجملة ولم يشركهم في جملة ما طلبه لنفسه صح أيضا إذ لا منافاة فلا رد على النبوة وإن أراد اشتراكهم معه في جملة ما طلبه لنفسه وهو مغفرة جميع الذنوب فذلك محرم فضلا عن كونه من آداب الدعاء .
وعن الثاني أن طلب الملائكة المغفرة للمؤمن بقولهم { فاغفر للذين تابوا } وقوله تعالى { ويستغفرون لمن في الأرض } لا عموم في تلك الألفاظ لكونها أفعالا في سياق الثبوت فلا تعم إجماعا ولو كانت للعموم لوجب أن يعتقد أنهم أرادوا بها الخصوص وهو المغفرة من حيث الجملة للقواعد الدالة على ذلك وإن أطلق الداعي قوله اللهم اغفر لي ولجميع المسلمين من غير نية جاز لأن لفظة افعل في سياق الثبوت فلا تعم كما أطلقته الملائكة .
[ ص: 284 ] المثال الثاني ) أن ، وقد ورد في الصحيح أن { يقول الداعي اللهم اكفني أمر العري يوم القيامة حتى تستتر عورتي عن الأبصار } فيكون هذا الدعاء مستلزما للرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في خبره فيكون معصية . الخلائق يحشرون حفاة عراة غرلا
( الثالث ) أن ، وقد ورد في الحديث الصحيح رجوع الأرواح إلى الأجساد { يقول اللهم إذا قبضتني إليك وأمتني فلا تحييني إلى يوم القيامة حتى أستريح من وحشة القبر } ، وقد قال عليه السلام في قتلى إن الميت يسمع خفق أنعلة المنصرفين بدر { } وليس ذلك خاصا بهم إجماعا فيكون هذا الدعاء مستلزما للرد على الرسول صلى الله عليه وسلم فيكون معصية ولكونه من باب الآحاد لا يكون كفرا ما أنتم بأسمع منهم