؛ لأنه سعى في إضرار غير مستحق فيكون حراما كسائر المساعي الضارة بغير استحقاق ، فإن قلت الله سبحانه وتعالى عالم بأحوال العباد جملة وتفصيلا فلا يجيب دعاء من دعا ظلما لعلمه تعالى بأنه إضرار غير مستحق وهو سبحانه وتعالى لا يظلم أحدا فلا يكون هذا الدعاء سعيا للإضرار ولا وسيلة له قلت لا نسلم أنه لا يؤثر ضررا وما ذكرتموه من علم الله تعالى مسلم ولكن المدعو عليه لا يخلو غالبا من ذنوب اقترفها أو سيئات اكتسبها من غير جهة الداعي فيستجيب الله تعالى دعاء هذا الداعي الظالم به عليه ويجعله [ ص: 292 ] سببا للانتقام من هذا المدعو عليه بذنوبه السالفة كما ينفذ فيه سهم العدو والكافر وسيف القاتل له ظلما إما مؤاخذة له بذنوبه أو رفعا لدرجاته مع أن صاحب السيف والسهم ظالم فكذلك صاحب الدعاء ظالم بدعائه وينفذ الله دعاءه كسيفه ورمحه ، ولذلك يسلط الله عليه السباع والهوام للانتقام وإن لم يصدر منه في حقها ما يوجب ذلك ويعاقب هذا الداعي أيضا على دعائه بغير حق والكل عدل من الله تعالى بل لو جوزنا خلو هذا المدعو عليه من الذنوب مطلقا وطهارته من جميع العيوب لجوزنا استجابة هذا الدعاء ليجعله الله سببا لرفع الدرجات وإظهار صبر العبد ورضاه فيحصل له الجزيل من الثواب ، وأما ( القسم الحادي عشر ) من الدعاء المحرم الذي ليس بكفر الدعاء على غير الظالم فقد قال الدعاء على الظالم وجماعة من العلماء بجوازه والمستند في ذلك قوله تعالى { مالك ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل } لكن الأحسن الصبر والعفو [ ص: 293 ] لقوله تعالى { ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور } أي من معزومها ومطلوبها عند الله ، فإن زاد في الإحسان على ذلك بأن دعا له بالإصلاح والخروج عن الظلم فقد أحسن إلى نفسه بمثوبة العفو وتحصيل مكارم الأخلاق وإلى الجاني بالتسبب إلى إصلاح صفاته وإلى الناس بالتسبب إلى كفايتهم شره ، فهذه ثلاثة أنواع من الإحسان لا ينبغي أن تفوت اللبيب لا سيما وقد روي أن الإنسان إذا دعا بمكروه على غيره تقول له الملائكة ولك مثله وإذا دعا بخير لأحد تقول له الملائكة ولك مثله .
( تنبيه ) من الظلمة من إذا علم بالمسامحة والعفو زاد طغيانه ولا يردعه إلا إظهار الدعاء عليه فليكن [ ص: 294 ] العفو عنه بينك وبين الله تعالى ولا تظهر له ذلك بل أظهر له فيه صلاحه واستصلاحه ومن يجود إذا جدت عليه كان سمة خير فينبغي إظهار ذلك له وحيث قلنا بجواز الدعاء على الظالم فلا تدعو عليه بملابسة معصية من معاصي الله تعالى ولا بالكفر فإن إرادة المعصية معصية وإرادة الكفر كفر بل تدعو عليه بإنكاد الدنيا ولا تدعو عليه بمؤلمة لم تقتضها جنايته عليك بأن يجني عليك جناية فتدعو عليه بأعظم منها فهذا حرام عليك ؛ لأنك جان عليه بالمقدار الزائد والله تعالى يقول { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } فتأمل هذه الضوابط ولا تخرج عنها .
فإن قلت فإن قال اللهم ارزقه سوء الخاتمة أو غير ذلك من العبارات الدالة على طلب الكفر هل يكون هذا الداعي كافرا أو لا لأن إرادة الكفر كفر والطالب مريد لما طلبه قلت الداعي له [ ص: 295 ] حالتان تارة يريد الكفر بالعرض لا بالذات فيقع تابعا لمقصوده لا أنه مقصوده فهذا ليس بكافر كما قال عليه السلام { } فقد طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل في سبيل الله وقتل الأنبياء كفر لكنه عليه السلام مراده ومقصوده منازل الشهداء وما عدا ذلك وقع تابعا لمقصوده لا أنه مقصوده فمثل هذا لا حرج فيه من هذا الوجه ، وكذلك ما حكاه الله تعالى عن أحد ابني وددت أن أقتل في سبيل الله ، ثم أحيا فأقتل ، ثم أحيا فأقتل آدم من قوله { إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار } مقصوده إنما هو السلامة من القتل لا من أن يقتل ويصدر منه معصية القتل .
وإن لزم عن ذلك معصية أخيه بمباشرة القتل لا يضره ذلك ولذلك قال عليه الصلاة والسلام { } فأمره أن يريد أن يقتله غيره ولا يعزم هو على القتل فإن المقصود بالذات إنما هو السلامة ووقع غير ذلك تبعا [ ص: 296 ] وتارة يريد الكفر بالذات فهذا كافر إذا كان مقصوده أن يعصي الله بالكفر ليس إلا ، كذلك هذا الداعي إذا كان مقصوده أن يعصي هذا المدعو عليه ربه لا أن يكفر بالله ويقع الكفر تبعا لمقصوده فهذا ليس بكفر . كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل
نعم قد لا يكون المدعو عليه جنى عليه جناية يستحق أن يقابل عليها بهذا الدعاء العظيم فيكون عاصيا بجنايته على المدعو عليه لا كافرا فهذا تفصيل حال هذا الدعاء ، وقد غلط جماعة فأفتوا بالتكفير مطلقا وليس كذلك