( الفرق العشرون بين ) ورد في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { قاعدة الصوم وقاعدة غيره من الأعمال الصالحة آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به } فصححه صاحب الشرع بهذه الإضافة الموجبة للتشريف له على غيره مع أن الفتاوى على أن الصلاة أفضل . كل عمل ابن
[ ص: 133 ] منه وذلك في الحديث أيضا قال : عليه الصلاة والسلام { } وعن أفضل أعمالكم الصلاة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه كتب إلى عماله إن أهم أموركم عندي الصلاة الأثر المشهور ومع ذلك فلا بد لهذه الإضافة والتخصيص من فارق أوجب ذلك وذكر العلماء رضي الله عنهم فيه فروقا أحدها : أنه أمر خفي لا يمكن أن يطلع عليه فلذلك نبه على شرفه بخلاف الصلاة والجهاد وغيرهما وأورد عليه الإيمان والإخلاص وأعمال القلوب الحسنة كلها خفية مع أن الحديث تناولها بعمومه وثانيهما أن جوف الإنسان يبقى خاليا فيحصل له شبه وصف الربوبية فإن الصمد هو الذي لا جوف له على أحد الأقوال فيه ويرد عليه الاشتغال بالعلوم فإن العلم من أجل صفات الرب تعالى فمن حصله فقد حصل له شبه عظيم وكذلك الانتقام من المجرمين والإحسان إلى المؤمنين وتعظيم الأولياء والصالحين وكل ذلك إذا صدر من العبد كان فيه التخلق بأخلاق رب العالمين ومع ذلك فهو مفضل عليها بعموم الحديث المتقدم وثالثها أنه اختص بترك الإنسان لشهواته وملاذه في فرجه وفمه وذلك أمر عظيم يوجب الثناء والتشريف بالإضافة المذكورة ويرد عليه أن الجهاد أعظم في ذلك فإن الإنسان فيه مؤثر مهجته وجسده وحياته فيذهب جميع الشهوات تبعا لذهاب الحياة وكذلك الحج يترك فيه العبد المخيط والمحيط والطيب والتنظيف ويفارق الأوطان والأوطار والأهل والأولاد والإخوان ويرتكب الأخطار في الأسفار ومع ذلك فهو بجميع ذلك مفضل عليه بعموم الحديث ورابعها أن جميع العبادات وقع التقرب بها لغير الله تعالى إلا الصوم فإنه لم يتقرب به لغير الله تعالى فلذلك خصص بالإضافة وورد عليه أن الصوم أيضا وقع التقرب به إلى الكواكب فيما يتعاطاه أرباب الاستخدامات للكواكب وخامسها أن الصوم يوجب تصفية الفكر وصفاء العقل وضعف القوى الشهوانية بسبب الجوع وقلة الغذاء ولذلك قال : عليه السلام { لا تدخل الحكمة جوفا ملئ طعاما } وفي حديث آخر { البطنة تذهب بالفطنة } ولا شك أن صفاء العقل وضعف الشهوة البهيمية مما يوجب حصول المعارف الربانية والأحوال السنية وهذه مزية عظيمة توجب التشريف بالإضافة المخصوصة ويرد عليه أن الصلاة ومناجاة الرب سبحانه وتعالى والمراقبة له في ذلك والتزام الأدب معه والخضوع لديه مما يوجب حصول المعارف والأحوال والمواهب الربانية لقوله تعالى { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين } { ويجعل لكم نورا تمشون به } إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الأعمال الصالحة دالة على سبب المواهب والنور والهداية وجزيل الفضائل فينبغي أن يكون مترتبا على الصلاة أكثر إذا وقعت من المكلف على وجهها لقوله تعالى فيما حكاه نبيه صلى الله عليه وسلم عنه { } والمصلي يتقرب أكثر فيكون فضل الله عليه أعظم وذكر مع هذه الوجوه وجوه أخر كلها ضعيفة غير سالمة من النقص ولم أر فيه فرقا تقر به العين ويسكن إليه القلب غير أني أوقفتك على أكثر ما قيل فيه مما هو قوي المناسبة وما يرد على ذلك وأنت من وراء الفحص والبحث عن ذلك . من تقرب إلي شبرا تقربت . [ ص: 134 ] إليه ذراعا ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ومن أتاني مشيا أتيته هرولة