( الفرق الرابع والخمسون بين قاعدة وبين قاعدة ما ليس بواجب في الحال والمآل ) فالأول لا يجزئ عن الواجب والثاني قد يجزئ عنه ويتضح الفرق بذكر ثلاث مسائل : ما ليس بواجب في الحال وهو واجب في المآل
( المسألة الأولى ) إما بالشهر ونحوه عندنا وإما في أول الحول عند الزكاة إذا عجلت قبل الحول فهذا المعجل ليس بواجب فإن دوران الحول شرط في الوجوب والمشروط لا يوجد قبل شرطه ، فإذا دار الحول وتوجه الخطاب بوجوب الزكاة عليه أجزأ عنه ما تقدم مع أنه غير واجب فما الفرق بين هذا المخرج وبين ما إذا نوى بإخراجه صدقة التطوع فإنه لا يجزئ عنه والفرق أن صدقة التطوع ليست بواجبة في الحال ولا في المآل فلم تجزئ عنه وأما المعجل للزكاة فهو قاصد بالمخرج [ ص: 25 ] الواجب على تقدير دوران الحول ولم يقصد التطوع وإذا قصد به الواجب في المآل فما أجزأ عن الواجب إلا واجب . الشافعي
( المسألة الثانية ) قال جماعة من الحنفية يتعلق الوجوب في الواجب الموسع بآخر الوقت وفعل المعجل قبل ذلك نفل يسد مسد الفرض على ما تقرر عندهم فقال الأصحاب لهم لو صح ما ذكرتموه لصح أن يصلي قبل الزوال ويجزئ عنه إذا زالت الشمس فيكون نفلا سد مسد الفرض وأجزأ عنه بعد طريانه وهو خلاف الإجماع فكذلك ما بعد الزوال لانحصار الوجوب عندكم في آخر القامة فما وقع بعد الزوال أو قبله سواء في كونه غير واجب ، فإذا أجزأ أحدهما عن الواجب وجب أن يجزئ الآخر عن الواجب ، فإذا قلتم قد قصد به الواجب عليه في المآل عند آخر الوقت ولم يقصد به التطوع قلنا : وكذلك يقصد به قبل الزوال الواجب عليه في آخر الوقت ويجزئ ولم يقل به أحد .
وهذا السؤال قوي جدا في بادئ الرأي غير أن الجواب عنه أن الصلاة قبل الزوال إذا قصد بها الواجب عليه في المآل عند آخر القامة إنما وزانه إخراج الزكاة قبل ملك النصاب وينوي بها ما يجب عليه في المآل عند ملك النصاب ودوران الحول وهذا لا يجزئ إجماعا ؛ لأنه إيقاع الفعل قبل سببه ووزان مسألتنا الإخراج بعد ملك النصاب وقبل الحول ؛ فإن النصاب سبب والزوال أيضا سبب للوجوب آخر القامة كما أن النصاب سبب الوجوب بعد الحول فالصلاة قبل الزوال إنما وزانها الإخراج قبل النصاب فظهر الفرق بين الصلاة قبل الزوال وينوي بها الواجب في المآل في أنه تقدم على الأسباب مطلقا وبين الصلاة بعد الزوال في أنه بعد السبب فلا يلزم أحدهما على الآخر فاندفع السؤال عن الحنفية ولم يكن ما أوقعه المصلي نفلا مطلقا لا يجب في الحال ولا في المآل بل ما يجب في المآل وبه يظهر الفرق أيضا بين صلاته هذه وبين أن يصلي بنية النافلة .
( المسألة الثالثة ) عندنا وتجزئ عن الزكاة الواجبة إذا توجهت عليه عند سببها ولو زكاة الفطر يجوز تعجيلها قبل غروب الشمس بيوم أو ثلاثة لم تجزئ عنه ، والفرق أنه أخرجها بنية الواجب عليه في المآل عند طريان السبب بخلاف صدقة التطوع ، فإنها ليست واجبة عليه في الحال ولا في المآل فلم تجزئ عنه ، فإن قلت فهذا واجب تقدم على سببه فإن سبب وجوب زكاة الفطر غروب الشمس من آخر أيام رمضان أو طلوع الفجر على الخلاف في ذلك فالإخراج قبل ذلك إخراج قبل السبب وهو الإخراج قبل ملك النصاب والإخراج قبل ملك النصاب لا يجزئ فيلزم أن لا تجزئ الزكاة المخرجة هنا . قلت : سؤال حسن غير أن زكاة الفطر لها تعلق بصوم رمضان فهي جابرة لما عساه اختل عنه بالرفث وغيره من أسباب النقص كما أن أخرج صدقة التطوع فتأمل ذلك ولذلك ورد في الحديث أنها طهرة للصائم وقد تقدم الصوم فيكون إخراجها بعد أحد [ ص: 26 ] سببيها الذي هو الخلل الواقع في الصوم والحكم إذا توسط بين سببيه أو سببه وشرطه جرى فيه الخلاف بين العلماء بخلاف تقدمه عليهما وفي الإخراج قبل ملك النصاب تقدم عليهما فلا جرم لم يجزئ وهاهنا توسط وهو سبب الإجزاء فظهر بهذه المسائل الفرق بين قاعدة ما ليس بواجب في الحال ولا في المآل وبين قاعدة ما ليس بواجب في الحال وهو واجب في المآل وأن الأول أبعد في الإجزاء عن الواجب من إجزاء الثاني عن الواجب . السجود في السهو جابر لما نقص من الصلاة