( ) الفرق السابع والستون بين قاعدة الأداء الذي يثبت معه الإثم وبين قاعدة الأداء الذي لا يثبت معه الإثم
اعلم أن هذا الفرق قد أشكل على جماعة من الفقهاء واستشكلوا كيف تكون العبادة أداء وفاعلها آثم وسر الفرق في ذلك أن الله سبحانه وتعالى جعل أرباب الأعذار يدركون الظهر والعصر عند غروب الشمس بإدراك وقت يسع خمس ركعات بعد الطهارة واتفق الناس على أن ما خرج وقته قبل زوال العذر لا يلزم أرباب الأعذار فدل لزوم الصلاتين لهم عند غروب الشمس على بقاء وقتها ولما كان الأداء كما تقدم إيقاع الواجب في وقته المحدود له شرعا كما تقدم تحريره لزم أن يكون الظهر والعصر أداء في حق كل أحد إلى غروب الشمس ؛ لأنا لما حددنا الأداء لم نحده بالنسبة للفاعلين وإنما حددناه بالنسبة إلى العبادة خاصة مع قطع النظر عن الفاعل من هو هل هو ذو عذر أم لا .
ولم يتعرض أحد في حد الأداء والقضاء لأحوال المكلف في حدهما بل للعبادة فقط فصار الأداء والقضاء تابعا لكون العبادة في وقتها أم لا فكان الظهر أداء إلى غروب الشمس بناء على صدق حد الأداء عليه ولما كان الشرع قد منع المكلف الذي لا عذر له من مطلقا بل عليه أن يوقع في آخر فسمي الوقت وهو من أول الزوال إلى آخر القامة ويبقى من آخر القامة إلى غروب الشمس هو من الوقت باعتبار حد الأداء ، وغير المعذور ممنوع منه فإذا أخر الفعل إليه وأوقعه فيه كان مؤديا آثما أما أداؤه فلصدق حد الأداء . تأخير العبادات إلى آخر الوقت
وأما ثمة فلتأخيره عن الحد الذي حدد له من الوقت ولصاحب الشرع أن يحدد للعبادة وقتا ويجعل نصفه الأول لطائفة ونصفه الآخر لطائفة أخرى فتأثم الأولى بتعديها لغير وقتها ألا ترى أن القامة وقت أداء بلا خلاف لصلاة الظهر من حيث الجملة ومع ذلك لو غلب على ظن طائفة أنها لا تعيش إلى آخر القامة بل لنصفها جعل صاحب [ ص: 60 ] الشرع نصف القامة وقتا لهؤلاء خاصة دون غيرهم والنصف الآخر من القامة ليس وقتا لهم كذلك هاهنا وقت الظهر إلى غروب الشمس وحجر صاحب الشرع على المختارين الوصول إليه وحدد لهم آخر القامة فإذا تعدوا القامة كانوا مؤدين آثمين فكذلك القول في المغرب أداء إلى طلوع الفجر بسبب أن أرباب الأعذار يدركون صلاتي الليل إلى طلوع الفجر والإجماع منعقد على أن ما خرج وقته لا يلزم أرباب الأعذار ألا ترى أنهم يدركون المغرب والعشاء بإدراك أربع ركعات قبل الفجر ولا يلزم بذلك صلاة النهار المتقدم بسبب أن وقته خرج بغروب الشمس .
فإذا كان مؤديا آثما أما أداؤه فلوجود الأداء في حقه . أخر أيضا المكلف المختار المغرب أو العشاء إلى طلوع الفجر
وأما إثمه فلأن الله تعالى خصصه بقطعة من الوقت فتعداها لنصيب غيره منه وإنما كان يلزم الإشكال في الجمع بين الأداء والإثم أن لو كان حد الأداء إيقاع الواجب في وقته الاختياري له فكان حينئذ إيقاعه في غير الاختياري قضاء لكن حد الأداء إيقاع الواجب في وقته مطلقا والقضاء إيقاعه خارج وقته مطلقا ولم نقل إنه خارج وقته الاختياري وكتب أصول الفقه مجمعة على ذلك ومصرحة به فظهر إمكان اجتماع الأداء والإثم في حق من حجر عليه في بعض الوقت وعدم اجتماع الإثم مع الأداء في حق من لم يحجر عليه في شيء من [ ص: 61 ] الوقت كما يجتمع الأداء والإثم فيمن أخر إلى آخر القامة وهو كان يعتقد أنه لا يتمكن من إيقاع الفعل آخر القامة فقدر وأخر وصلى فإنه مؤد آثم ويجتمع في حقه الأداء على الخلاف والإثم إجماعا وإنما وقع الخلاف في اجتماعهما آخر النهار وعند طلوع الفجر فمذهب ابن القاسم اجتماعهما ومذهب غيره عدم اجتماعهما فعلى هذا يجتمع الإثم والأداء في حق فريقين من الناس أحدهما المختارون الذين لا عذر لهم إذا أخروا إلى غروب الشمس أو بعد القامة ومن حيث الجملة أو أخروا المغرب والعشاء إلى بعد ثلث الليل أو نصفه على الخلاف في آخر وقت العشاء هل هو ثلث الليل أو نصفه وهل تؤخر المغرب إلى الشفق أم لا وثانيهما الفرق الذي يغلب على ظنهم عدم المكنة في آخر الوقت الاختياري فيؤخرون إلى آخره فإنهم آثمون مع الأداء إذا فعلوا آخر الوقت الاختياري في القامة للظهر مثلا ونحوه من الأوقات الاختيارية وتحرر بهذا الفرق زوال ما استشكله الشافعية علينا من الجمع بين الأداء والإثم فإنهم قائلون به في الفريق الثاني فكذلك يلزمهم في الفريق الأول [ ص: 62 ] ويتضح مذهبنا اتضاحا جيدا وأنا لم نخالف قاعدة بل مشينا على القواعد ويلزم الشافعية إشكال لا جواب لهم عنه وهو أن يكون حدهم الأداء والقضاء في كتبهم الأصولية باطلا ؛ لأنهم أطلقوا القول فيها وليس مطلقا على ما زعموا بل يتعين أن يكون الأداء في كتبهم إيقاع العبادة في وقتها الاختياري والقضاء إيقاع العبادة خارج وقتها الاختياري أصل لكنهم في كتب الأصول لم يصنعوا ذلك .