( المسألة الثانية ) كرهها : المعانقة ؛ لأنها لم ترو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مع مالك جعفر ولم يصحبها العمل من الصحابة بعده قال في كتابه البيان والتحصيل : ولأن النفوس تنفر عنها ؛ لأنها لا تكون إلا لوداع من فرط ألم الشوق أو مع الأهل ودخل ابن رشد على سفيان بن عيينة فصافحه مالك ، وقال له : لولا أن المعانقة بدعة لعانقتك فقال مالك : عانق من هو خير مني ومنك ، النبي صلى الله عليه وسلم عانق سفيان جعفرا حين قدم من الحبشة قال : ذلك خاص مالك بجعفر ، قال : بل عام ما يخص سفيان جعفرا يخصنا ، وما يعم جعفرا يعمنا إذا كنا صالحين أفتأذن لي أن أحدث في مجلسك ، قال : نعم يا قال حدثني أبا محمد عن عبد الله بن طاوس رضي الله عنهما قال { عبد الله بن عباس جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة اعتنقه النبي صلى الله عليه وسلم وقبله بين عينيه . وقال جعفر أشبه الناس بنا خلقا وخلقا يا جعفر ما أعجب ما رأيت بأرض الحبشة قال : يا رسول الله رأيت ، وأنا أمشي في بعض أزقتها إذا سوداء على رأسها مكتل فيه بر فصدمها رجل على دابته فوقع مكتلها وانتشر برها فأقبلت تجمعه من التراب ، وهي تقول : ويل للظالم من ديان يوم القيامة ويل للظالم من المظلوم يوم القيامة ويل للظالم إذا وضع الكرسي للفصل يوم القيامة فقال عليه السلام لا يقدس الله أمة لا تأخذ لضعيفها من قويها حقه غير متعتع } ثم قال : لما قدم قد قدمت لأصلي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبشرك برؤيا رأيتها فقال سفيان : رأت عيناك خيرا - إن شاء الله - فقال مالك : رأيت كأن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم انشق فأقبل الناس يهرعون من كل جانب والنبي عليه السلام يرد بأحسن رد قال سفيان فإنني بك - والله أعرفك في منامي كما أعرفك في يقظتي [ ص: 254 ] فسلمت عليه فرد عليك السلام ثم رمى في حجرك بخاتم نزعه من أصبعه فاتق الله فيما أعطاك رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى سفيان بكاء شديدا قال مالك : السلام عليكم قالوا له أخارج الساعة قال نعم فودعه سفيان وخرج فيؤخذ من مجموع هذه النقول أن المعانقة وردت بها السنة وأن مالك كان يعتقد عموم مشروعيتها ، وأن سفيان كان يكرهها مالكا
[ ص: 254 ]