( الفرق الثمانون ) اعلم أن إزالة النجاسة في الشريعة تقع على ثلاث أقسام إزالة وإحالة وهما معا ولكل قاعدة من هذه القواعد خاصية تمتاز بها أما الإزالة فبالماء في الثوب والجسد والمكان . الفرق بين قاعدة الإزالة في النجاسة وبين قاعدة الإحالة فيها
وأما الإحالة ففي الخمر تصير [ ص: 112 ] خلا وأما هما معا ففي الدباغ فإنه إزالة للفضلات المتنجسة التي توجب العصر فيخرج ما في الجلود من ذلك ، وأما الإحالة فلأن صفة الجلود تتغير عن هيئتها إلى هيئة أخرى أما الخواص فخاصية الإزالة الماء الطهور والنية على الخلاف ووصول الغسل حدا ينفصل الماء غير متغير وأن السبب الاستقذار وخاصية الإحالة عدم النية والماء والاستقذار فلا تحتاج للماء بل قد توجد مع عدمه وقد يلقي في الخمر ماء فيكون ذلك سببا لإحالتها للخلية غير أن الماء غير محتاج إليه في الإحالة ويحتاج إليه في الإزالة ، وأما النية فمانعة من تطهيرها على الخلاف في القصد إلى تخليل الخمر والمذهب أن القصد مانع وليس شرطا إجماعا وهو شرط في الإزالة على الخلاف وحيث قال الفقهاء في كتبهم النية شرط في إزالة النجاسة إنما يريدون أحد أقسامها وهي الإزالة ومن خواصها عدم الاستقذار بل سبب تنجيسها طلب إبعادها فهذه ثلاث خواص للإحالة تمتاز بها عن الإزالة .
وأما الصورة التي يجتمعان فيها وهو الدباغ فمن خواصه عدم اشتراط الماء وعدم اشتراط النية إجماعا وليس القصد مانعا إجماعا بخلاف الإحالة المنفردة والاستقذار والاستخباث سبب التنجيس لأجل ما فيها من النجاسة فخواصها أيضا ثلاثة فهذه خواص هذه القواعد وبها يحصل الفرق بينها وقد وقع في هذه القواعد والفرق بينها قاعدة تعرف بجمع الفرق وهو أن المعنى الواحد يوجب الضدين المتنافيين وهذا النوع قليل في الشريعة وفيها مثل أحدها هذه المسألة فإن القصد مناسب للتطهير فاشترطه من اشترط المناسب في الإزالة وجعله مانعا في الإحالة سدا للذريعة فإنه إذا جوزنا القصد للتخليل جوزنا إبقاءها في الملك ففي ذلك الزمان ربما انبعثت الدواعي لشربها فمنع من القصد لتخليلها سدا للذريعة فصار القصد يقتضي ها هنا المنع وفي الإزالة الإباحة في الصلاة بذلك الثوب المزال عنه النجاسة وقد رتب على المعنى الواحد الضدان وهما المنع والإباحة فناسب الضدين وهذا هو المسمى عند الأصوليين بجمع الفرق أي جمع المتفرقات من الأضداد .
المثال الثاني لجمع الفرق قال العلماء ترد تصرفات السفيه في حالة الحياة صونا لماله على مصالحه لئلا يضيع ماله بتصرفات ردية ، فصون ماله على مصالحه هو سبب رد تصرفاته وتنفذ تصرفاته في الوصايا عند الموت صونا لماله على مصالحه فإنا لو رددنا وصاياه لأخذ ماله وارثه ولم يحصل له من ماله مصلحة فصون ماله على مصالحه اقتضى رد تصرفاته حال الحياة وتنفيذ تصرفاته عند الممات فقد ناسب الوصف الواحد الضدين المنافيين وترتبا عليه في الشريعة وهذا هو جمع الفرق أيضا لأنه جمع المتفرقات من الأضداد ( المثال الثالث ) الجهالة مانعة من عقد البيع [ ص: 113 ] والإجارة ونحوهما وهي شرط في الجعالة والعارية والقراض فلا يجوز إلى يوم معلوم لأن المطلوب قد لا يحصل في ذلك الأجل فاقتضت مصلحة هذه العقود أن يكون الأجل مجهولا ولذلك لا يجوز أن يحدد لخياطة الثوب وغيره من الإجارات يوما معلوما لأنه يوجب الغرر وتفوت المصلحة بل المصلحة تقتضي بقاء الأجل مجهولا .
المثال الرابع الأنوثة اقتضى ضعفها التأخر عن الولايات واقتضى ضعفها ولاية الحضانة والتقدمة فيها على الذكور فقد اقتضت الضدين كما اقتضته الجهالة المثال الخامس قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتضى تعظيمها بذل المال للأقارب والمبادرة إلى سد الخلات في حقهم واقتضى منع المال منهم في الزكاة فقد ترتب عليها البذل والمنع وهما ضدان وإنما قلت هذه النظائر لأن الأصل في المناسب أن ينافي ضد ما يناسبه .