( الفرق الحادي والثمانون ) وذلك أن جماعة من العلماء قالوا إزالة النجاسة رخصة بسبب أن السبب في تنجيس الطاهر ملاقاته للنجس إجماعا فإذا الفرق بين قاعدة الرخصة وبين قاعدة إزالة النجاسة مثلا فالجزء الواصل إلى النجاسة المتصل بها تنجس لملاقاته النجاسة كما تقدم حكاية الإجماع في القاعدة صببنا الماء على النجاسة لنزيلها من الإبريق تنجس ذلك الجزء الذي يليه وتنجس الجزء الثاني للثالث والثالث للرابع والرابع للخامس وكذلك حتى ينجس الماء الذي داخل الإبريق بل ينجس وإذا تنجس الجزء الملاقي للنجاسة والسر في ذلك كله ملاقاة النجس للطاهر وحيث قضى الشرع بأن النجاسة تزول وأن الماء لم يفسد مطلقا كان ذلك على خلاف هذه القاعدة فكان رخصة من صاحب الشرع وهذا كلام متين قوي لم أر أحدا تعرض للجواب عنه . ماء البحر المالح إذا وضعنا النجاسة في طرفه
والجواب عنه أن إزالة النجاسة ليس من باب الرخصة وذلك أن الله تعالى لم يقض على الأعيان بأنها نجسة ولا متنجسة بمجرد كونها جواهر ولا أجساما إجماعا بل لأجل أعراض خاصة قامت بتلك الأجسام من لون خاص وكيفية خاصة معلومة في العادة فإذا انتفت تلك الكيفية وتلك الأعراض انتفى الحكم لانتفاء موجبه وانتفاء الحكم الشرعي لانتفاء سببه ليس من باب الرخص إجماعا وعلى هذه القاعدة يبطل السؤال بسبب أنا نعلم بالضرورة أن الأعراض الخاصة والكيفية الخاصة اللتين قضى الشرع لأجلها بالتنجيس ليسا موجودين في جميع أجزاء ماء الإبريق ولا في جميع أجزاء ماء البحر إذا [ ص: 114 ] وضعنا النجاسة في طرفه بل الأجزاء بعيدة من محل النجاسة ليس فيها شيء من ذلك قطعا فلا يكون القضاء بتطهير الأجزاء البعيدة رخصة بل قضاء بالحكم لانتفاء سببه وليس هو من باب الرخص وكذلك إذا توالى الصب والغسل على الثوب المتنجس فقطع بعدم تلك الصفات الموجبة لكون العين نجسة أو متنجسة فوجب أن يزول حكم التنجيس لزوال سببه كما يزول وجوب الزكاة لعدم النصاب ويزول وجوب الصوم في رمضان لزوال رمضان وغير ذلك من الأحكام في الشريعة التي لا يسمى شيء منها رخصة فكذلك ها هنا فظهر أن ما قالوه من أن إزالة النجاسة من باب الرخص لا حقيقة له بل هي من باب العزائم على وفق القواعد لا على خلافها