( مسألة ) : قال أصحابنا وغيرهم من العلماء إذا يقبل الترجيح بالعدالة وهل ذلك مطلقا أو في [ ص: 17 ] أحكام الأموال خاصة وهو المشهور أو لا يقضى بذلك مطلقا ثلاث أقوال ، والمشهور أنه لا يرجح بكثرة العدد . تعارضت البينتان في الشهادة
والفرق أن الحكومات إنما شرعت لدرء الخصومات ورفع التظالم والمنازعات ، فلو رجحنا بكثرة العدد لأمكن للخصم أن يقول أنا أزيد في عدد بينتي فنمهله حتى يأتي بعدد آخر فإذا أتى به قال خصمه : أنا أزيد في العدد الأول فنمهله حتى يأتي بعدد آخر أيضا فيطول النزاع ، وينتشر الشغب ويبطل مقصود الحكم .
أما الترجيح بالأعدلية فلا يمكن الخصم أن يسعى في أن تصير بينته أعدل من بينة خصمه بالديانة والعلم والفضيلة فلا تنتشر الخصومات ولا يطول زمانها لانسداد الباب عليه ، وأما العدد فليس بابه منسدا فيقدر أن يأتي بمن يشهد له ولو بالزور والحاكم لا يعلم ذلك ، والأعدلية لا تستفاد إلا من الحاكم فلا تسلط للخصم على زيادتها فانسد الباب .
( فائدة ) :
وبأي شيء تتميز مع اشتراكها كلها في مطلق الخبرية . الشهادة خبر والرواية خبر والدعوى خبر والإقرار خبر والنتيجة خبر والمقدمة خبر والتصديق خبر فما الفرق بين هذه الحقائق
والجواب أما الشهادة والرواية فقد تقدم الكلام عليهما ، وإما الدعوى فهي خبر عن حق يتعلق بالمخبر على غيره ، والإقرار خبر عن حق يتعلق بالمخبر ويضر به وحده عكس الدعوى الضارة لغيره . ولذلك أن الإقرار متى أضر بغير المخبر أسقطنا من ذلك الوجه كإقراره بأن عبده وعبد غيره حران ، ويسمى الإقرار المركب والنتيجة هي خبر نشأ عن دليل ، وقبل أن يحصل عليه يسمى مطلوبا والمقدمة هي خبر هو جزء دليل والتصديق هو القدر المشترك بين هذه الصورة كلها يسمى بأحسن عارضيه لفظا ؛ لأنه يقال لقائله صدقت أو كذبت فكان يمكن أن يسمى تكذيبا غير أنه سمي بأحسن عارضيه لفظا
( فائدة ) :
العرب ثلاثة أمور متباينة شهد بمعنى حضر ومنه شهد معنى شهد في لسان بدرا أو شهدنا صلاة العيد قال أبو علي ومنه قوله تعالى { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } قال معناه من حضر منكم المصر في الشهر فليصمه ، أو من حضر منكم الشهر في المصر فليصمه فإن الصوم لا يلزم المسافر فالمقصود إنما هو الحاضر المقيم فهذا أحد مسميات شهد ، والمعنى الثاني شهد بمعنى أخبر ومنه شهد عند الحاكم أي أخبر بما يعتقد في حق المشهود له وعليه ، والمعنى الثالث شهد بمعنى علم ومنه قوله تعالى { والله على كل شيء شهيد } أي عليم ووقع التردد لبعض العلماء في قوله تعالى { شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم } هل هو من باب العلم ؛ لأن الله يعلم ذلك أو من باب الخبر ؛ لأن الله تعالى أخبر عباده عن ذلك فهو محتمل للأمرين فهذه الثلاثة هي معاني شهد .
( فائدة ) :
معنى روى حمل وتحمل فراوي الحديث تحمله وحمله عن شيخه ، ولذلك قال العلماء إن إطلاق الراوية على المزادة التي يحمل فيها الماء على الجمل مجاز من باب مجاز المجاورة ؛ لأن الراوية بناء مبالغة لمن كثر منه الحمل والذي يحمل ويكثر منه الحمل إنما هو الجمل فهذا الاسم إنما يستحقه حقيقة ولغة الجمل ، وإطلاقه على المزادة مجاز من باب مجاز المجاورة لما بينها وبين الجمل من المجاورة وليس هو من باب أروى الرباعي حتى يستحقه الماء دون الجمل ؛ لأن اسم الفاعل منه مرو لا راوية ، وإنما يأتي راوية من الثلاثي فهذه فوائد [ ص: 18 ] لفظية تتعلق بلفظي الشهادة والرواية حسن ذكرها بعد تحقيق معناهما .