( الفرق الخامس والعشرون والمائة بين قاعدة ما مدلوله قديم من الألفاظ فيجوز الحلف به وبين قاعدة ما مدلوله حادث فلا يجوز الحلف به ولا تجب به كفارة )
اعلم أن الألفاظ انقسمت باعتبار هذا المطلب ثلاثة أقسام قسم علم أن مدلوله قديم كلفظ الله ونحوه وقسم علم أن مدلوله حادث كلفظ الكعبة ونحوها فهذان القسمان لا يقصدان بهذا الفرق لوضوحهما وقسم مشكل على أكثر الطلبة فهو المقصود بهذا الفرق وهو سبعة ألفاظ اللفظ الأول جاز ولزمته الكفارة بها إذا حنث لأن أمانته تعالى تكليفه وهو أمره ونهيه بالكلام النفسي وهو قديم ويدل على ذلك قوله تعالى { أمانة الله تعالى من حلف بها إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال } إلى قوله ظلوما جهولا قال العلماء معناه أن الله تعالى عرض التكاليف على السموات والأرض والجبال وقال لهن إن حملتن التكاليف وأطعتن فلكن الثواب الجزيل وإن عصيتن فعليكن العذاب الوبيل فقلن لا نعدل بالسلامة شيئا ثم عرضت على الإنسان فالتزم ذلك فأخبر الله تعالى أنه كان ظلوما لنفسه جهولا بالعواقب فلا جرم هلك من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون وسلم من كل ألف واحد كما جاء في الحديث الصحيح والكلام القديم صفة الله تعالى وهذا أيضا يتبع العرف والعادة فإذا جاء عرف آخر يشتهر فيه هذا اللفظ في الأمانة المأمور بها التي هي فعلنا في حفظ الودائع وغيرها من الأمانات كقوله تعالى { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } ويكون ذلك عرف قطر من الأقطار الآن فإن الحلف حينئذ بها من غير نية تصرف اللفظ للأمانة القديمة لا يجوز أو يكره على الخلاف .
وإذا كانت مشتهرة في القديم وصرفها الحالف بالنية إلى الحادث امتنع الحلف وسقطت الكفارة فهذا معنى هذا اللفظ وضابطه اللفظ الثاني قولنا عمر الله ولعمر الله معنى هذين اللفظين البقاء فبقاء الله عز وجل استمرار وجوده مع الأزمان فوجوده ذاته تعالى فهو قديم يجوز الحلف به وتلزم به الكفارة فإن قلت البقاء والعمر ونحوهما من الألفاظ لاستمرار الوجود مع الأزمنة كما تقدم واستمرار وجود الشيء مع الأزمنة نسبة بين وجود الشيء والزمان والنسبة أمر عدمي فإذا قلنا بجواز وهو بقاؤه ولزوم الكفارة به لزمنا أن نقول بجواز الحلف بعمر الله فإن الله تعالى قبل كل حادث ومع كل حادث وبعد كل حادث إذا فني ذلك الحادث وما هو قابل للتجدد كالبعدية والمعية أو الفناء كالقبلية كيف يجوز الحلف به وكيف تلزم به [ ص: 31 ] كفارة وكذلك القول في بقية النسب والإضافات التي تعرض لذات الله تعالى وتزول كالتعلقات في الصفات وغيرها قلت سؤال حسن صحيح وأنا أقول متى أراد الحالف تلك النسبة التي هي مدلول اللفظ لغة امتنع وسقطت الكفارة ومتى نقلها العرف إلى أمر وجودي قديم جاز ولزمته الكفارة . الحلف بقبلية الله تعالى وبعديته ومعيته
وعليه العرف اليوم وهو الذي أفتى به أن المراد بالعمر والبقاء الباقي فهو مجاز لغوي حقيقة عرفية فإن تغير العرف تغير الحكم كما تقدم قبل هذا . مالك