اللفظ الرابع قولنا قال علي ذمة الله تلزم به الكفارة ومعنى ذمة الله تعالى التزامه لأن معنى الذمة في اللغة هو هذا ومنه عقد الذمة للكفار أي التزامنا لهم عصمة النفوس والأموال والأعراض وما معها ومنه الذمام إذا وعده والتزم له أن لا يخذله وأن ينصره على من يقصده بسوء ومنه قول الفقهاء له في ذمته دينار والعقد وارد على الذمة فإن الذمة في الشريعة معنى مقدر في المكلف يقبل الإلزام والالتزام ولذلك إذا اتصف بعد الرشد بالسفه يقال خربت ذمته وذهبت ذمته وإذا مات خربت ذمته أي المعنى الذي كان يقدر لم يبق مقدرا وتقول العرب فلان يفي بذمته أي بما التزمه وخفر ذمة فلان إذا خانها وهذا كله راجع للإخبار عن الالتزام أو معناه . مالك
وجاء في الحديث من قال كذا وكذا كان في ذمة الله أي أن الله تعالى التزم له عند هذا القول حفظه من المكاره والتزام الله تعالى راجع إلى خبره فهو نوع آخر من الكلام غير نوع العهد فإن العهد يرجع إلى الأمر والنهي والذمة إلى الخبر والكل كلام نفسي فهما نوعان منه فافهم ذلك غير أن هذا المعنى يقتضي أن يكون القسم به وذمة الله بواو القسم فيكون صريحا في القسم لغة .
ويبقى إشكال الإضافة فيه من جهة أن ذمة الله تعالى تصدق المعنى القديم كما تقدم وتصدق أيضا بإضافة المعنى المحدث إليه تعالى باعتبار أنه شرعه لأن الذمة تارة تكون مأمورا بها وجوبا كعقد الجزية في بعض الصور وتارة لا يؤمر بها وجوبا بل ندبا كالتزام أنواع البر والإحسان وقد يخبرنا فيها من غير وجوب ولا ندب من قبله كالتزام الأثمان في البياعات والإجارة في الإجارات وعلى التقادير الثلاثة فهي مشروعة من قبله تعالى فتضاف إليه إضافة المشروعية كقولنا عبادة الله وطاعة الله وإذا احتملت الإضافة المعنيين لم يقض بأحدهما إلا بدليل منفصل وهذا الإشكال قائم فيما قاله أيضا من قوله علي ذمة الله مضافا لعدم وجود أداة القسم . مالك
وأما علي فإيجابها للكفارة مشكل إلا أن يكون هناك نقل عرفي من الإخبار إلى القسم ألا ترى أنه لو قال علي علم الله أو علي إرادة الله أو علي بصر الله أو علي سمع الله لم يتجه إيجاب الكفارة لأن هذه الصيغ ليست قسما وإنما هي خبر والخبر ليس بقسم إجماعا والإنشاء العرفي بغير القسم لا يوجب كفارة فلا بد من النقل عن الخبر إلى إنشاء القسم وإلا فلا يتجه إلزام الكفارة واعتقاد أن هذا يمين ألبتة فتأمل هذه التنبيهات فالفقيه يحتاج إليها حاجة شديدة في الفقه والفتاوى والفروق وتحرير معاني الألفاظ [ ص: 34 ]