( القسم الخامس من صفات الله تعالى ) الصفات الجامعة لجميع ما تقدم من الأقسام الأربعة وهي عزة الله وجلاله وعلاه وعظمته وكبرياؤه ونحو ذلك من هذا المعنى فإنك تقول جل بكذا أو جل عن كذا فتندرج في الأولى الصفات الثبوتية كلها قديمة أو حادثة فكما جل الله تعالى بعلمه وصفاته السبعة التي هي صفات ذاته تعالى جل أيضا ببدائع مصنوعاته [ ص: 53 ] وغرائب مخترعاته ويندرج في الثاني جميع السلوب للنقائص فيصدق أن الله تعالى جل عن الشريك وعن الحيز والجهة وغير ذلك مما يستحيل عليه سبحانه وتعالى ولما كان لفظ الجلال والعظمة يحتمل جل بكذا وجل عن كذا وعظم بكذا وعظم عن كذا اندرج الجميع في اللفظ عند الإطلاق فكانت هذه الصفات شاملة لجميع فيكون الحلف بها يوجب الكفارة لاشتمالها على الموجب للكفارة وهو الصفات القديمة وغير الموجب وهو الصفات المحدثة وإذا اجتمع الموجب وغير الموجب كان اللازم الإيجاب عملا بالموجب والقسم الآخر كما أنه لا يقتضي كفارة لا يمنع الموجب للكفارة من إيجابه للكفارة وهاهنا ثلاث مسائل ( المسألة الأولى ) إذا قال القائل سبحان من تواضع كل شيء لعظمته هل يجوز هذا الإطلاق أم لا فقال بعض فقهاء العصر لا يجوز هذا الإطلاق لأن عظمة الله تعالى صفته والتواضع للصفة عبادة لها وعبادة الصفة كفر بل لا يعبد إلا الله تعالى ولو عبد عابد علم الله تعالى أو إرادته وغير ذلك من صفاته كفر بل المعبود واحد وهو ذات الله تعالى وهو الذات الموصوفة بصفات الجلال ونعوت الكمال والمراد بالعبارتين واحد . الصفات الثبوتية والسلبية والقديمة والمحدثة
وقال قوم يجوز هذا الإطلاق وهو الصحيح [ ص: 54 ] وعظمة الله تعالى هي المجموع من الذات والصفات وهذا المجموع هو المعبود وهو الإله وهو الذي يجب توحيده وتوحده ولا ثاني له وهو الذي يجب التواضع له كما تقول عظمة الملك جيشه وأمواله وأقاليمه التي استولى عليها وسطوته وغير ذلك مما وقعت به العظمة في دولته كذلك عظمة الله تعالى هي هذه الأمور كلها مع ذاته تعالى فهي أيضا من موجبات عظمته فإن أراد هذا المطلق هذا المعنى أو لم تكن له نية فلا شيء عليه وإن أراد صفة واحدة من صفات الله تعالى وأنها حصل التواضع لها وهو العبادة امتنع وربما كان كفرا وهو الظاهر وإن أراد بالتواضع غير العبادة وهو القهر والانقياد لإرادة الله تعالى وقضائه وقدره وقدرته فهذا أيضا معنى صحيح فإن جميع العالم مقهور بقدرة الله تعالى وقدره فالتواضع بهذا التفسير أيضا سائغ لا محذور فيه بل يجب اعتقاده [ ص: 55 ] فهذا تلخيص الحق في هذه المسألة والفتيا فيها ( المسألة الثانية )
قال عبد الحق في تهذيب الطالب عليه كفارة واحدة . الحالف بعزة الله تعالى وعظمته وجلال الله
وهو متجه في إيجاب الكفارة واتحادها لا في الجواز وعدم النهي مع أنه لم يتعرض له لعدم النهي بل للزوم كفارة أما لزوم الكفارة فلما تقدم من أن هذه الألفاظ مشتملة على الموجب وعلى غير الموجب فتجب وأما اتحادهما فلأن العظمة والجلال والعلا ونحو ذلك هو المجموع والمجموع واحد فتعددت الألفاظ واتحد المعنى فاتحدت الكفارة وأما أنه دخل فيه النهي فلاندراج المحدثات فيه كما تقدم بيانه فيكون قد حلف بقديم ومحدث ففعل مأمورا به ومنهيا عنه ومن فعل مأمورا به ومنهيا عنه فقد ارتكب المنهي عنه وهذا ظاهر إلا أن ينوي الحالف بهذه الألفاظ القديم وحده فلا نهي حينئذ أو يكون هناك عرف اقتضى تخصيص هذه الألفاظ بالقديم خاصة فلا نهي حينئذ أما مجرد اللفظ اللغوي فموجب لاندراج المحدث مع القديم ( المسألة الثالثة )
أن هذه الصفات تارة تكون بلفظ التذكير كقولنا وجلال الله وعلاء الله وتارة تكون بلفظ التأنيث كقولنا وعزة الله وعظمة الله فأما لفظ التذكير فلا كلام فيه هاهنا وأما لفظ التأنيث بالهاء فإنه مشعر بشيء واحد مما يصدق عليه ولذلك تفرق العرب بين قول القائل عز زيد عزا وعز عزة فالأول يحتمل جميع أنواع العز مفردة ومجموعة فإذا وجدت الإضافة أو الألف واللام الموجبتين العموم كان العموم في جميع أفراد ذلك النوع وإن فقدت الإضافة والألف واللام بقي مطلقا وأما اللفظ الثاني وهو عز زيد [ ص: 56 ] عزة فإنه لا يتناول لغة إلا فردا واحدا من العزة إما بماله أو بجاهه أو بسطوته أو بغير ذلك من أسباب العزة وإن كان موضوعه لغة فردا واحدا من العزة وأضيفت إلى الله تعالى لم يتعين العموم فيه فاحتمل المحدث فإن العزة تصدق بالمحدث أيضا من جهة أن العزيز هو الذي امتنع من نيل المكاره والعزيز أيضا هو الذي لا نظير له وقد ذكر العلماء المعنيين في تفسير اسمه تعالى العزيز ولا شك أنه تعالى لا نظير له في مبتدعاته ومخلوقاته .
فإن كانت العزة من هذه الجهة كان فيها إشارة إلى المخلوقات المحدثات فلا تجب الكفارة ولهذه الإشارة ، نقل صاحب اللباب في شرح عن الجلاب في الحلف بعزة الله تعالى هل توجب كفارة أم لا فيه روايتان لأجل التردد في لفظ العزة وأما لفظ العظمة فإن بينه وبين لفظ العزة فرقا فإن العرب تقول عظم زيد عظمة في غالب استعمالهم فكأنه هو المصدر المتعين دون عظما بغير تاء التأنيث وأما عز عزا فمشهور ولا ينطق بهاء التأنيث إلا إذا قصدت الوحدة نحو ضرب ضربة فلا يتناول إلا ضربة واحدة كذلك عزة لا يتناول إلا عزة واحدة فإذا أضيف لا يكون المضاف عاما بل فردا واحدا غير معين وقد قال مالك الغزالي في المستصفى إن اللام في هذا الجنس لا تفيد تعميما بل إنما تفيد اللام التعريف تعميما فيما ليس محدودا بالتاء نحو الرجل والبيع فكذلك لا تفيده الإضافة عموما اعتبارا فاللام التعريف ، والجامع بينهما أنهما أداتا تعريف فهذا بحث يمكن أن يلاحظ في هذا الموضع والله أعلم