أن الرجل إذا كان النافذ من البيعين هو الأول [ ص: 104 ] وإذا وكل وكيلين في بيع سلعة فباعاها من رجلين فالمعتبر أولهما إن عرف كالبيع إلا أن يدخل بها الأخير فهو أحق بها وهذه القاعدة فيها سبع مسائل يفيتهن الدخول مسألة الوليين وامرأة المفقود تتزوج بعد الأجل المضروب يفيتها الدخول فإن قدم قبل الدخول بها فهو أحق بها ، جعلت المرأة أمرها لوليين فزوجاها من رجلين كفأين فإن دخل بها الزوج الثاني كان أحق بها وألغيت الرجعة . والمرأة تعلم بالطلاق دون الرجعة فتتزوج ثم تثبت رجعة الأول
وقال في المدونة إذا مالك كان وطء السيد مفيتا لها كالوطء بالزوج وتكون هذه المسألة ثامنة لهذه المسائل ، طلق زوج الأمة الأمة طلاقا رجعيا فراجعها في السفر فلم تعلم بذلك فوطئها السيد بعد انقضاء العدة مع علمه بالرجعة فإن دخل بها الثاني فهو أحق بها وإن لم يدخل بها فهي للأول ، وامرأة الرجل يرتد فيشك في كفره بالأرض البعيدة هل هو إكراه أو اختيار ثم يتبين أنه إكراه وقد تزوجت امرأته بناء على ظاهر كفره فإنه يرجع ويختار من البواقي ما لم يتزوجن ويدخل بهن أزواجهن فمن دخل بها فات الأمر فيها بالدخول ومن لم يدخل بها كان له أخذها وقيل لا يفيتهن الدخول والرجل يسلم على عشرة نسوة فاختار منهن أربعا فوجدهن ذوات محارم . والمرأة تطلق للغيبة ثم يقدم بحجة
فإن وجدها تزوجت ودخل بها فاتت عليه وإن لم يدخل بها لم تفت عليه ، ، وخولفت هذه القاعدة في أربع مسائل في المذهب أيضا والمرأة تسلم وزوجها كافر فيفرق بينهما ثم يبين تقدم إسلامه عليها فإنها لا يفيتها الدخول وقيل يفيتها الدخول ، المرأة ينعى لها زوجها ثم يتبين حياته وقد تزوجت فإنها ترجع إليه وإن دخل بها الثاني ، والمطلقة بسبب الإعسار بالنفقة ثم يتبين أنها أسقطتها عنه قبل ذلك وقد تزوجت فإنها تطلق عليه هذه لأن الأصل عدم امرأة أخرى فإن تبين صدقه وقد تزوجت ودخل بها زوجها ردت إليه ولا يفتيها الدخول والأمة تختار نفسها تتزوج ويدخل بها زوجها ثم يتبين عتق زوجها قبلها ردت إليه وقيل يفيتها والرجل يقول عائشة طالق وله امرأة حاضرة اسمها عائشة وقال لم أردها ولي امرأة أخرى تسمى عائشة ببلد آخر وهي التي أردت رضي الله عنه يسوي بين القاعدتين وجعل العقد السابق هو المعتبر وما بعده باطل حصل دخول أم لا فهذا [ ص: 105 ] هو القياس فإن من شرط عقد النكاح أن تكون خالية عن زوج وهذه ذات زوج فلا يصح العقد عليها واعتمد فالشافعي رحمه الله تعالى على قضاء مالك عمر رضي الله عنه في مسألة الوليين وقضاء معاوية بن أبي سفيان في مسألة الرجعة وأفاتوا المرأة بالدخول وهذا مدرك عند وعبد الله بن الزبير ، وعند مالك رضي الله عنه ليس بمدرك لأن مذهبه أن قول الصحابي يصلح للترجيح لا للاستقلال ووجه الحجة على الشافعي وهو سر الفرق المقصود بين القاعدتين أنا أجمعنا على الأخذ بالشفعة وهو إبطال أثر العقد السابق وتسليط الشفيع على إبطاله لأجل الضرر الداخل على الشريك من توقع القسمة . الشافعي
وإذا قضى بتقديم الضرر على القعد هنالك وجب أن يقضي ههنا بتقديم الضرر على العقد السابق بطريق الأولى من وجهين
( الأول ) أن ضرر الشفعة متوقع فإن القسمة قد تحصل وقد لا تقع ألبتة وأما الضرر ههنا فناجز وتقريره أن الرجل إذا طلع على المرأة حصل له بها تعلق في الغالب وحصل لها هي أيضا تعلق فإن الرجل إنما يتزوج في الغالب من مالت نفسه إليها وإذا دخل عليها مع الميل المتقدم وجدت الرؤية والمباشرة فالغالب حصول الميل كذا هي أيضا إنما رضيت به بعد ميل نفسها إليه فإذا باشرته مع الميل المتقدم وحصول الإرب فالغالب حصول الميل وإذا كان الظاهر حصول الميل إما من الجانبين وإما من أحدهما فلو قضينا بالفراق بعد هذا الميل الناشئ من الدخول وقضاء الأوطار لحصل الضرر الناجز لمن حصل له الميل بألم الفراق فعلم أن ضرر الشفعة متوقع وضرر هذه المسائل واقع والواقع أقوى من المتوقع الوجه
( الثاني ) في موجب القياس بطريق الأولى أن الشريك الشفيع يأخذ بغير عقد أضيف إليه بل بمجرد الضرر وههنا الزوج الثاني معه عقد يقابل به العقد الأول فصار دفع ضرره معضودا بعقد ودفع ضرر الشريك غير معضود بعقد فكان المعضود أولى فإن قلت وجود هذا العقد كعدمه لأن المحل غير قابل له فلا يصح للترجيح قلت كون وجوده كعدمه هو محل النزاع نحن نقول ليس وجوده كعدمه بل اتفقنا على أن [ ص: 106 ] مثل هذه الصورة من العقد موجبة للعصمة في غير صورة النزاع فوجب أن يكون هنا كذلك عملا بوجود الصورة من الإيجاب والقبول ورضى الولي والمرأة وكون تقدم العقد مانعا صورة النزاع .
وهذا وجه الترجيح فإن قلت ما الفرق بين مسألة الوليين ومسألة فإنها لا يفتيها الدخول إجماعا فكذلك ههنا والجامع بطلان العقد قلت بالفرق بينهما من عشر أوجه الوكيلين وكلا على أن يزوج كل واحد منهما بامرأة فزوجاه بامرأتين فدخل بإحداهما فتبين أنها خامسة
( أحدها ) المانع من الصحة في الخامسة هو عقد الرابعة مع ما تقدمه من العقود والمانع في الوليين عقد واحد فهو أخف فسادا وأقل موانع ففاتت بالدخول بخلاف الخامسة
( الثاني ) أن الأولياء الغالب عليهم الكثرة دون الولاء فصورة الوليين مما يكثر وقوعها فالقول ببطلان العقد الثاني بعد الدخول يؤدي إلى كثرة الفساد والخامسة نادرة لأن الفساد فيها الناشئ عن الاطلاع والكشف قليل
( الثالث ) أن الزوج كالمشتري الذي هو صاحب الصداق الذي هو الثمن والمرأة كالبائع لأنها صاحبة السلعة والسلع مقاصد والأثمان وسائل ورتبتها أخفض من رتبة المقاصد فلذلك لم يبطل عقد الرابعة لأنه إبطال لمقصد وإبطال العقد الأول للزوج الأول إبطال لصاحب وسيلة التعارض إنما وقع بين الزوجين اللذين هما صاحبا وسيلة وبين الرابعة والخامسة في صاحبي مقصد فاجتمع في الرابعة كونه مقصدا وموافقة الأوضاع الشرعية فامتنع إبطاله لقوته بخلاف الزوج الأول
( الرابع ) أن ولوع الرجال بالنساء وشغفهم بهن أكثر منهن بهم والعادة شاهدة بذلك فإن الرجال هم الباذلون والخاطبون إلى غير ذلك من الدلائل على فرط الميل ولم يوجد ذلك في النساء لضعف طبعهن وغلبة الحياء عليهن وإذا كان شغف الرجال بهن أعظم صعب التفريق في مسألة الوليين لأنه ضرر بالزوج الثاني الذي حصل له الشغف بالدخول والخامسة إنما يتوقع فيها داعية ضعيفة فكان الفساد أقل
( الخامس ) أن داعية الرجال في السؤال عن الواقع من أولياء المرأة ضعيف وعن الواقع من الوكلاء في التزويج قوي فكثر الأول دون الثاني فكان مخالفة القاعدة في [ ص: 107 ] الوليين أقل
( السادس ) أنه يتهم في الخامسة أن يكون عدل إليها عن الرابعة مع عمله بها لأنه المختار للدخول والمرأة محكوم عليها لا خيرة لها
( السابع ) أن الخامسة على خلاف القاعدة المعتبرة فعظمت أسباب إبطالها لأن الله تعالى جعل ثلاثا مستثنيات فتجوز الهجرة ثلاثا والإحداد ثلاثا وأيام الخيار ثلاثا والضرات ثلاثا ثم يلزم ويمكث الهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثا وجعل المرأة تضر بثلاث من النساء والخامسة لو صححناها وقع الإضرار بأربع ولم يوجد في مسألة الوليين مخالفة قاعدة إلا ما اشتركا فيه
( الثامن ) إن شاء أولياء السؤال عن حال الزوج وليس شأن أولياء الرجل السؤال عن حال المرأة فضعفت الشبهة في الخامسة بكشف أوليائها
( التاسع ) أن عقد الوكالة ضعيف لأنه جاء من الطرفين ولأن المكلف ينشئه فيكون ضعيفا كالنذر مع الواجب المتأصل بخلاف الأولياء
( العاشر ) أن في الخامسة مفسدة اندفعت بالفسخ وهي أنها على ضرات أربع لها والفائت على ذات الوليين صحبة الزوج الأول ودرء المفاسد أولى من تحصيل المصالح فإن قلت في صورة الشفعة الشريك مخير وههنا الزوج الثاني ليس مخيرا بل أنتم تعينون المرأة له جزما فقد زادت صورة الفرع المقيس على صورة الأصل المقيس عليه بوصف اللزوم فليس الحكم مثل الحكم فلا يصح القياس لتباين الأحكام قلت الوجه الذي وقع فيه القياس لا اختلاف فيه لأن القياس إنما وقع من جهة تقديم المضرة على العقد السابق والصورتان من هذا الوجه مستويتان لا اختلاف فيهما وإنما جعل اللزوم في صورة النزاع دون صورة الشفعة لامتناع الخيار في النكاح لئلا تكون المخدرات بذلة بالخيار فلذلك حصل اللزوم والتعيين للزوج الثاني ولما كانت السلع والعقار قابلة للتخيير والخيار ثبت للشفيع الخيار من غير لزوم ، فإن قلت إنما أبطلنا العقد في الشفعة لضرر الشفيع لأن العقار مال ورتبة الأموال أخفض من رتبة الإبضاع ولا يلزم من مخالفة العقد المقتضي لما هو أدنى مخالفة العقد المقتضي لما هو أعلى وهذا فرق يبطل القياس قلت هذا بعينه مستندنا في أولوية القياس وذلك أنكم إذا سلمتم أن الإبضاع أعلى رتبة من الأموال يكون الضرر بفوات مقاصدها أعظم من ضرر الشريك فيكون أولى بالمراعاة فإن قلت الزوج الثاني كما حصل له تعلق بالدخول في مسألة الوليين فالزوج الأول [ ص: 108 ]
وقد حصل له أيضا تعلق في مسألة الرجعة والمفقود وغيرهما فلم كان دفع ضرر الثاني أولى من الأول لا سيما وصحبة الأول أطول ومعاهد قضاء الأوطار بينهما أكثر قال الشاعر :
" ما الحب إلا للحبيب الأول
" قلت بل ضرر الثاني هو الأولى بالمراعاة وذلك لأن الأول أعرض بالطلاق ، وتوحش العصمة إما بالطلاق وإما بالفراق من غير طلاق وإما بحصول السآمة من طول المباشرة وقد جرت العادة أن طول صحبة المرأة توجب قلة وقعها في النفس وأن جدتها توجب شدة وقعها في النفس وبهذا يظهر أن ضرر الثاني أقوى وأولى بالمراعاة فهذا هو سر الفرق بين قاعدة الأنكحة في هذا الباب وبين قاعدة الوكالات في السلع والإجارات فإن قلت قد سردت ثنتي عشرة مسألة منها ثمانية من هذه القاعدة ومنها أربع تعارضها وهي نقض على ما ذكرته من الفرق والنقض موجب لعدم الاعتبار فيلغى ما ذكرته من الفرق ما لم تفرق بينهما قلت ما ذكرته سؤال حسن مسموع وبيان الفرق بين الأربعة والثمانية يتضح بأن تعين أقرب الثمانية للأربعة وتبين الفرق بين تلك الصورة وتلك الأربعة فيحصل الفرق بين الأربعة والثمانية أو تعين أقرب الصور الثمانية لعدم الفوات بالدخول وأقرب الأربعة للفوات بالدخول وتفرق بين هاتين الصورتين فيكون الفرق قد حصل بين الجميع بطريق الأولى فإنه إذا حصل باعتبار الأبعد حصل باعتبار الأقرب بطريق الأولى فنقول : كل مسألة دخل فيها حكم حاكم من هذه الثماني فهي أقرب إلى التفويت بالدخول من الصورة التي لم يدخل فيها حكم حاكم بسبب أن حكم الحاكم يتنزل منزلة فسخ النكاح من حيث الجملة ألا ترى أن رضي الله عنه قال إن أبا حنيفة نفذ الطلاق في الظاهر والباطن وكذلك إذا الحاكم إذا حكم بالطلاق بشهادة زور ثبت النكاح في الظاهر والباطن وجاز لأحد تلك الشهود الزور أن يتزوج تلك المرأة التي شهد بطلاقها مع علمه بكذب نفسه وأبيحت الزوجة في المسألة الأخرى في نفس الأمر لأن حكم الحاكم في هذه المسائل وإن لم يصادف عقدا ولا طلاقا لكن حكمه نفسه يتنزل منزلة الطلاق والنكاح ولهذا المدرك عمم نفوذ الأحكام بشهادة الزور في العقود والفسوخ دون الديون وغيرها من القضايا فإن الدين ونحوه لا يدخل حكم الحاكم فتستقل الذمة به [ ص: 109 ] حكم بالنكاح والزوجية بشهود زوروالفسخ يمكن أن يستقل به الحاكم في صور مجمع عليها وكذلك الحاكم يستقل بالعقد ولا تستقل الذمم بالمال إلا أخذه بالفرض أو غيره فلذلك عمم في العقود والفسوخ ومنع غيرهما ونحن وإن لم نقل بهذا المدرك وقلنا لا ينفذ هذا الحكم غير أنه يبقى فارقا من حيث الجملة بين ما فيه حكم حاكم وبين ما ليس فيه حكم حاكم فيكون ما فيه حكم حاكم أقرب إلى الفوات بالدخول من حيث الجملة فأقول الذي دخل فيه حكم الحاكم منها مسألة المفقود ومسألة المرأة تطلق بسبب طول الغيبة ومسألة المرأة تسلم ثم يتبين تقدم إسلام زوجها فهذه الثلاث المسائل فيها حكم الحاكم يوجب الفرق بينها وبين غيرها والخمس المسائل الباقية منها ما بني فيها على ظاهر فانكشف خلافه ومنها ما لا يبنى فيها على ظاهر فالتي يبنى فيها على ظاهر انكشف خلافه المرأة فيها معذورة بسبب الظاهر مأذون لها في الإقدام على العقد الثاني بسبب الظاهر وكذلك وليها بخلاف ما لا ظاهر فيه يقتضي بطلان العقد الأول والتي فيها ظاهر هي المرأة الحرة تعلم بالطلاق دون الرجعة فإن ظاهر الطلاق يبيح العقد والأمة يطلقها زوجها كما تقدم وامرأة المرتد فإن ظاهر الكفر يبيح العقد والرجل يسلم على كثير نسوة فإن ظاهر حالهن يقتضي الاختيار وتزوجهن بناه على ظاهر الاختيار فهن معذورات فهذه أربع فيها عذر يبيح وفي مسألة الوليين ليس فيها حكم حاكم ولا ظاهر فهي أبعد المسائل عن الفوات بالدخول فنعينها للبحث والفرق وأما الأربع وهي المرأة ينعى لها زوجها فالفرق بينها وبين مسألة الوليين أن الموت شأنه الشهرة والظهور فالخطأ فيه نادر فيضعف العذر .
فلا يفوت بالدخول وعقد الولي الأول على المرأة ليس اشتهاره في الوجود كاشتهار الموت ولا تتوفر الدواعي للإخبار به كتوفره على الإخبار بموت إنسان والتفجع عليه والعوائد شهادة بذلك ومسألة التطليق بالإعسار فالفرق بينها وبين مسألة الوليين أن المرأة هنا ظالمة قاصدة للفساد فناسب أن تعاقب بنقيض مقصودها في إبطال تصرفها بالزواج لأنها تعلم أنها أسقطت النفقة وأنها مبطلة في جميع تصرفها ودعواها بخلاف مسألة الوليين لم يكن عندها علم بالعقد الأول وأما مسألة الذي يقول عائشة طالق فإن الحكم هنا يبني على استصحاب الحال من جهة أن الأصل عدم زواجه لامرأة أخرى واستصحاب الولي [ ص: 110 ] بعدم العقد على موليته فإن العقود لأوليائها غالبا بخلاف عقود الرجال على النساء لا يشتهر عند الحاكم فإن قلت الطلاق بسبب الغيبة أيضا اعتمد الحاكم فيه على الأصل العدمي وهو أن الأصل عدم إيصال حقوقها إليها قلت الغيبة صورة ظاهرة تشهد بعدم زواج امرأة أخرى تسمى عائشة فإذا تقرر الفرق بين هذه وبين ما وقع فيه حكم فالفرق بينها وبين مسألة الوليين أن الولي العاقد للعقد الثاني ما دون له في العقد إجماعا وليس له معارض من حيث الظاهر والمرأة لما تزوجت ههنا مع قول الزوج لي امرأة أخرى تسمى عائشة قول ظاهره الصدق فإنه مسلم عاقل وقد أخبر عن أمر ممكن لا يعلم إلا من قبله فينبغي أن يصدق فيه كما تصدق المرأة في حيضها وطهرها وسقطها وانقضاء عدتها لأنها أمور لا تعلم إلا من قبلها فكذلك ههنا قول الزوج معارض بتصرف المرأة وتصرف وليها في العقد والولي الثاني في مسألة الوليين لا ظاهر يعارضه فكان بالنفوذ أولى .
وأما الأمة تختار نفسها فالفرق بينها وبين مسألة الوليين أن زوجها متهافت عليها متعلق بها غاية التعلق بسبب أنها نزعت عصمتها منه قهرا والنفوس مجبولة على حب ما منعت منه فناسب ذلك الرد إليه بخلاف مسألة الوليين لم يحصل للزوج المعقود له أولا هذا التعلق بسبب أنه لم ير المرأة ولم يباشرها فكانت أولى بالفوات عليه فهذا هو الفرق الرافع للنقوض الأربعة وإذا اندفعت النقوض بالفرق صح المدرك وتبين الفرق بين قاعدة الوكالات في البياعات وقاعدة الوكالات في الأنكحة فاعلم ذلك فقد يسر الله فيه من الحجة ما لم أره قط لأحد فإن المكان في غاية العسر والقلق والبعد عن القواعد غير أنه إذا لوحظت هذه المباحث قربت من القواعد وظهر وجه الصواب فيها لا سيما وجمع كثير من الصحابة أفتوا بها فلا بد لعقولهم الصافية من قواعد يلاحظونها ولعلهم لاحظوا ما ذكرته وبهذا ظهر الفرق بين الوليين والوكيلين في عقود البياعات والإجارات وغيرها في أن المعتبر هو الأول فقط التحق بالثاني تسليم أم لا وقد وقع في المدونة لمالك والجلاب أن انعقد عقد السابق إلا أن يتصل بالثاني تسليم قال الأصحاب هذا قياس على مسألة الوليين وقال الوكيل والموكل إذا باع أحدهما بعد الآخر ابن عبد الحكم لا عبرة بالتسليم والفرق أن [ ص: 111 ] كشف النكاح مضرة عظيمة بخلاف البيع وهذا هو الصحيح باطل إجماعا ولم أجد والتخريج مع قيام الفارق ولا لأصحابه نصا في الوكيلين أن التسليم يفيت بل في الموكل . لمالك
والوكيل خاصة فلو رام مخرج تخريج الوكيلين على الموكل والوكيل لتعذر ذلك بسبب الفرق أيضا وهو أن الموكل له التصرف بطريق الأصالة والوكيل له التصرف بطريق النيابة فهو فرع فإن تأخر عقده ووقع التسليم في عقد الموكل أمكن أن يقول ذلك عندي مضاف للتسليم وكونه متصرفا بطريق الأصالة والأصالة لها قوة وله أيضا قوة العزل والتصرف بنفسه وهو معنى مناسب مفقود في الوكيلين فإن كليهما فرع لا أصالة له فلا ينعقد عقد اللاحق منهما مطلقا اتصل به قبض أم لا ومهما وجدنا معنى يمكن أن يلاحظه الإمام امتنع التخريج على محل ذلك الفارق كما أن مالك فالمقلد مع المجتهد كالمجتهد مع الشارع فإن قلت الوكيلان في النكاح فرعان لا متأصل فيهما فيسقط ما ذكرته من المناسبة المجتهد إذا وجد معنى يمكن أن يكون فارقا امتنع عليه القياس قلت ما ذكرته مسلم غير أن المرأة يتعذر عليها الاستقلال فسقط اعتبار التأصل وههنا يمكن الاستقلال فأمكن أن يكون إمكان الاستقلال فرقا يلاحظه الإمام فيتعذر التخريج ، والصواب عدم التخريج مطلقا في الموكل والوكيل والوكيلين أيضا والله أعلم .