( الفرق الرابع والأربعون والمائة بين قاعدة وبين قاعدة الإماء يجوز الجمع بين عدد أي عدد شاء منهن كثر أو قل ) الزوجات لا يجوز أن يزيد على أربع منهن
وهو أن القاعدة أن الوسائل تتبع المقاصد في أحكامها فوسيلة المحرم محرمة ووسيلة الواجب واجبة [ ص: 112 ]
وكذلك بقية الأحكام غير أنها أخفض رتبة منها ووسيلة أقبح المحرمات أقبح الوسائل ووسيلة أفضل الواجبات أفضل الوسائل وقد تقدمت هذه القاعدة مبسوطة ومضارة المرأة تجمعها مع امرأة أخرى في عصمة وسيلة للشحناء في العادة ومقتضى ذلك التحريم مطلقا وقد جعل ذلك في شريعة عيسى عليه السلام كما هو منقول عندهم فلا يتزوج الرجل إلا امرأة واحدة تقديما لمصلحة النساء على مصلحة الرجال بنفي المضارة والشحناء .
ويقال إن ذلك شرع عكسه في التوراة لموسى عليه السلام يجوز للرجل زواج عدد غير محصور يجمع بينهن تغليبا لمصلحة الرجال في الاستمتاع على مصلحة النساء في الشحناء والمضارة ولما كانت شريعتنا أفضل الشرائع جمع فيها بين مصلحتي الفريقين فيجوز للرجل أن يجمع بين أربع نسوة فيحصل له بذلك قضاء إربه ويخرج به عن حيز الحجر ويضاف لذلك التسري بما شاء وروعيت أيضا مصالح النساء فلا تضار زوجة منهن بأكثر من ثلاث وسر الاقتصار في المضارة على ثلاث أن الثلاثة اغتفرت في مواطن كثيرة فتجوز الهجرة ثلاثة أيام والإحداد على غير الزوج ثلاثة أيام والخيار ثلاثة أيام فهذه الصور كلها الثلاث مستثناة على خلاف الأصول فكذلك لما كانت الشحناء والمضارة على خلاف الأصل استثنى ثلاث زوجات يضار بهن زوجة أخرى هذا في الأجنبيات والبعيد من القرابات وحافظ الشرع على القرابات القريبة وصونها عن التفرق والشحناء فلا يجمع بين المرأة وابنتها ولا أمها لأنها أعظم القرابات حفظا لبر الأمهات والبنات ويلي ذلك ويلي ذلك الجمع بين الأختين لكونها من جهة الأم وبرها آكد من بر الأب يليه المرأة وعمتها لأنها من جهة الأب ثم خالة أمها ثم خالة أبيها ثم عمة أمها ثم عمة أبيها فهذا من باب تحريم الوسائل لا من باب تحريم المقاصد ولما كانت الأم أشد برا بابنتها من الابنة بأمها لم يكن العقد عليها كافيا في بعضها لابنتها إذا عقد عليها لضعف ميلها للزوج بمجرد العقد وعدم مخالطته فاشترط في التحريم إضافة الدخول [ ص: 113 ] إلى العقد وكان العقد كافيا في بغض البنت لضعف ودها فتحرم بالعقد لئلا تعق أمها فهذا تلخيص أمر الزوجات . الجمع بين المرأة وخالتها
وأما الإماء فلما كن في الغالب للخدمة والهوان لا للوطء والاصطفاء بعدت مناسبتهن في شيء ليس هو وصفهن ووقوعه نادر فيهن والمهانة من جهة ذل الرق تمنع من الإباء والأنفة والمنافسة في الحظوظ بخلاف الزواج مبني على العز والاصطفاء والإعزاز والتخصيص بالوطء والخدمة إنما تقع فيه تبعا عكس باب الإماء الخدمة أصل والوطء إنما يقع فيه تبعا فلذلك لم يقع العدد محصورا في جواز وطء الإماء لعدم المنافسة والشحناء التي هي موجودة في باب الزواج وإن وجدت كانت ضعيفة عن وجودها في باب الزواج فهذا هو تلخيص الفرق بين الفرقين وبيان السر في ذلك ( فائدة ) قال يشترط في تحريم الأم الدخول كما اشترط في تحريم البنت لقوله تعالى { ابن مسعود وأمهات نسائكم } ثم قال { وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن } فقوله { اللاتي دخلتم بهن } صفة تعقبت الجملتين فتعمهما كالاستثناء والشرط إذا تعقبا الجمل عما والعجب أن مذهب رضي الله عنه أن الاستثناء والصفة إذا تعقبا جملا عمها وخالف أصله ههنا ولم يقل به ههنا فقد خالف أصله . وجوابه أنا نمنع العود ههنا على الجملتين وإن سلمنا أنه يعود في غير هذه الصورة بسبب أن النساء في الجملة الأولى مخفوض بالإضافة والنساء في الجملة الثانية مخفوض بحرف الجر الذي هو من والعامل في الصفة هو العامل في الموصوف على الأصح فلو كان صفة للجملتين لعمل في الصفة الواحدة عاملان وهو الإضافة وحرف الجر واجتماع عاملين على معمول واحد ممتنع على الأصح كما تقرر في علم النحو فهذا هو المانع الشافعي من إجراء صلة فإن قلت نعت المجرورين أو المنصوبين أو المرفوعين مع اختلاف العامل مسألة خلاف بين للشافعي البصريين والكوفيين .
ولو اجتمع بصري وكوفي في هذه المسألة يتناظران لم يمكن أن يحتج أحدهما على الآخر بمذهبه لأن مذهب أحد الخصمين لا يكون حجة على الآخر وهذا في بصري وكوفي فكيف يحتج بمذهب البصريين أو بأحد المذهبين على وهو قوله حجة على غيره من جهة أنه عربي من أهل اللسان فإن قصد بهذا الكلام قيام الحجة على عبد الله بن مسعود لا يستقيم وإن قصد به الاعتذار عن مذهب من المذاهب [ ص: 114 ] فلا بد من إثبات أن ذلك الإمام كان يعتقد هذا المذهب في النحو حتى يقال أصله يمنعه من ذلك وإذا لم يثبت أن مذهبه في النحو كذلك بطل أيضا الاعتذار به عن صاحب ذلك المذهب . عبد الله بن مسعود
ومن أين لنا أن مذهب مالك رضي الله عنهما كان في النحو لا يجتمع عاملان على معمول واحد وأن العامل في الصفة هو العامل في الموصوف فلعل مذهبهما أن النعت يرتفع بطريق التبعية للموصوف كما قاله جماعة من النحاة لا بالعامل في المنعوت وإنما يصح الكلام على هذه التقادير وهي متعذرة قلت كلام صحيح متجه فإن قلت أعيد النعت على الجملة الأولى وهو قوله { والشافعي وأمهات نسائكم } فيكون الدخول شرطا في تحريم الأم بهذه الآية ويكون الدخول شرطا في الجملة الثانية بالإجماع فإنا لا نعلم خلافا في شرطية الدخول في تحريم البنت فيثبت الحكمان في الجملتين بالإجماع والآية ويكون هذا أولى لئلا يترادف الإجماع والآية على الجملة الأولى والأصل عدم الترادف ومهما أمكن تكثير فوائد كلام صاحب الشرع وجعل مدلول لكل دليل فهو أولى من الترادف والتأكيد وقد تقرر في أصول الفقه أنه ولا يجعل ذلك اللفظ مستند الإجماع لأن الأصل حمل اللفظ على حقيقته ولا يلزمنا أن نعين للإجماع مستندا بل هو مستقل بنفسه ولا يلزمنا طلب دليل للإجماع وإن كان لا بد له من مستند في نفس الأمر كذلك ههنا لا يلزمنا طلب مستند الإجماع في اشتراط الدخول في تحريم البنت ويحمل اللفظ على فائدة زائدة تكثيرا لفوائد صاحب الشرع وقد مثلوا ذلك بقوله تعالى { إذا ثبت حكم المجاز بالإجماع وورد لفظ في ذلك الحكم حمل حقيقته ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } والنكاح حقيقة في الوطء مجاز في العقد وقد أجمع الناس على أن العقد يحرم على الابن فنحمل نحن الآية على الوطء فعلى هذا إذا وطئها حلالا أو حراما حرمت على الابن وتحرم بالعقد أيضا .
ويكون هذا أولى لأن الأصل في الكلام الحقيقة والأصل أيضا عدم الترادف على مدلول واحد فكذلك ههنا قلت أما هذا السؤال فالجواب عنه أنا في آية الربائب نحمل اللفظ على الجملة الأخيرة طلبا لمستند الإجماع بل لأن القرب يوجب الرجحان فإن اللفظ صالح للأولى والثانية ورجحت الثانية بالقرب وبهذا يظهر الفرق بين هذا السؤال وبين القاعدة المذكورة في أصول الفقه المتقدم ذكرها فإن في تلك المسألة جاء الإجماع في المجاز المرجوح على [ ص: 115 ] خلاف ظاهر اللفظ فعدلنا باللفظ إلى ظاهره لأجل معارضة الظاهر الذي هو الحقيقة موضع الإجماع وأما ههنا فموضع الظاهر الذي هو القرب موضع الإجماع فلا موجب للعدول باللفظ عن موضع الإجماع بل الموجب يصرف إلى موضع الإجماع فافترقا . واعلم أن هذا الجواب إنما يستقيم على مذهب الذي يرى ترجيح القريب في الجمل وهي الجملة الأخيرة فيخصها بالاستثناء والصفة وأما على رأي أبي حنيفة مالك وأصحابهما رضي الله عنهم الذين يرون تعميم الاستثناء والصفة في جملة الجمل ولا يرجحون بالقرب فلا يتأتى هذا الجواب بل مقتضى مذهبهم الحمل على الجملتين الأولى والأخيرة حتى يثبت أنهم لا يرون الجمع بين عاملين في النعت مع اتفاق الأعراب وأن العامل في النعت هو العامل في المنعوت فإذا ثبت هذا عنهم صح الجواب أيضا على قاعدتهم فإنهم حينئذ يتعين عليهم الحمل على إحدى الجملتين لا عليهما ولا سبيل إلى الحمل على الجملة الأولى فإنها هي البعيدة . والشافعي
وكل من قال بالعود على جملة واحدة لم يقل هي البعيدة بل انفراد البعيدة بالحمل على خلاف الإجماع لأن القائل قائلان قائل بالتعميم في الجمل وقائل بالجملة القريبة وحدها أما الحمل على الجملة البعيدة وحدها فلم يقل به أحد فهذا تلخيص هذا الموضوع وتحريك البحث فيه بحسب ما فتح الله تعالى به من فضله .