( الفرق الثامن والأربعون والمائة بين قاعدة وبين قاعدة ما لا يلحق فيه ) ما يلحق فيه الولد بالوطء
اعلم أن العلماء قد أطلقوا القول بأن الولد لا يلحق بالوطء إلا لستة أشهر فصاعدا وهذا الكلام [ ص: 123 ] ليس على إطلاقه وإنما مرادهم إذا كان الولد قد ولد تاما فإنه لا يتم بعد الوطء إلا في هذه المدة أو أكثر منها أما أقل فلا وعلى هذا إذا لم تلده تاما نظرت نسبة تلك المدة لذلك التخلق إن كانت المدة تصلح له ألحقته بالوطء وإن كانت لا تصلح له لم يلحق فقد يلحق به لثلاثة أشهر إذا كانت ثلاثة أشهر تصلح لذلك التخلق وعلى هذا المنهاج يكون إلحاق الولد بنسبة المدة إلى صورة التخلق فقولهم حينئذ أن الولد لا يلحق دون ستة أشهر ليس على ظاهره بل مرادهم إذا كان كامل الخلق فإنه لا يكمل خلقه في أقل من هذه المدة وسببه ما ذكره ابن جميع وغيره في التحدث على الأجنة أن الجنين يتحرك لمثل ما يخلق فيه وبوضع لمثلي ما تحرك فيه قالوا وتخلقه في العادة تارة يكون لشهر وتارة يكون لشهر وخمسة أيام وتارة يكون لشهر ونصف فإذا تخلق في شهر بمعنى تصورت أعضاؤه تحرك في مثل ذلك فيتحرك في شهرين ويوضع لمثلي ما تحرك فيه ومثلا الشهرين أربع أشهر وأربعة مع شهرين ستة فيوضع لستة أشهر وإن تخلق لشهر وخمسة أم تحرك في مثل ذلك وهو شهران وعشرة أيام مثلا ذلك أربعة أشهر وعشرون يوما فإذا أضيف ذلك لمدة التحرك كان سبعة أشهر فيوضع الولد لسبعة أشهر وإن تخلق لشهر ونصف تحرك في ثلاثة أشهر ووضع لتسعة أشهر على التقدير المتقدم فلذلك لا يحصل الوضع الطبيعي إلا لستة أشهر أو سبعة أو تسعة قالوا ولهذا السبب يعيش الولد الذي يوضع لسبعة ولا يعيش الذي يوضع لثمانية .
وإن كان أقرب للقوة ولمدة التسعة بسبب أن الذي يوضع لسبعة وضع من غير آفة سليما على قاعدة الولادة والذي وضع لثمانية يكون به آفة من مرض أو غيره قد عجله عن التسعة آفة أو أخرته عن السبعة آفة والذي به آفة لا يعيش فالمولود لثمانية لا يعيش فهذا هو السر في ذلك وهذا هو المهيع العام والعادة الغالبة قالوا وقد يحصل عارض من جهة المني في مزاجه وبرده [ ص: 124 ] أو يبسه أو من الرحم في برده أو هيئة فيه تمنع من جريان هذه القاعدة فيقعد الولد إلى اثنا عشر شهرا وقال الفقهاء والمتأخرون هذه الأسباب العارضة قد تؤخر الولد إلى سنتين فأكثر وهو قول الحنفية أو إلى أربع سنين وهو مشهور قول الشافعية أو إلى خمس سنين وهو مشهور المالكية .
ووقع في مذهب الشافعي رضي الله عنهما إلى سبعة قال صاحب الاستقصاء ولدت امرأة ومالك بواسط لسبع سنين ولدا له وفرة من الشعر فجاء عند الولادة بجنبه طائر فقال له كش .
وقال إن مالك امرأة العجلاني دائما لا تضع إلا لخمس سنين وهذا من العوارض النادرة الغريبة في هذه الحال والغالب هو الأول فقد ظهر السر والفرق بين ما يلحق الولد فيه وبين ما لا يلحق فيه
( تنبيه ) فعلى هذا يكون قوله عليه السلام { } إشارة إلى الأطوار الثلاثة تقريبا فإن الأربعين تقرب من الثلاثين والخمسة والثلاثين والخمسة والأربعين وهي بين هذه الأطوار متوسطة تكاد تشتمل على الجميع بتوسطها فهذا هو معنى الحديث إلا أنه على ظاهره في جميع الأجنة ولو كان على ظاهره لكانت الحركة في أربعة أشهر ويكون الوضع في اثني عشر شهرا وهي صورة واقعة صحيحة غير أنها نادرة فلك أن تقول إن قوله عليه السلام يجمع خلق أحدكم صيغة مطلقة لا عموم فيها فيتأدى بصورة وقد وقعت في صور كثيرة وحصل الوضع في اثني عشر شهرا فحصل مقتضى الحديث وصدق الخبر فلا حاجة إلى العدول به عن ظاهره ولك أن تقول إن حمل اللفظ على النادر خلاف الظاهر فيحمل على الغالب ويكون ذلك إشارة إلى التوسط بين الأطوار كما تقدم وحملنا على ذلك أن المباشر لصور التخليق والتحرك والوضع المتقدم تقديره مشرحون كانوا يشرحون الحبالى ويشقون أجوافهم فيمن وجب عليه القتل ويطلعون على ذلك حسا وعيانا والحس يؤول [ ص: 125 ] لأجله ظاهر الحديث . يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يوما أو أربعين صباحا نطفة ثم أربعين علقة ثم أربعين مضغة ثم ينفخ فيه الروح
( فإن قلت ) هم قوم كفار لا عبرة بقولهم في الشرائع والأحكام فلا يبنى على قولهم لحوق الولد وعدم لحوقه .
( قلت ) قد اعتبرنا فلو شهدوا بعدم العيب قبلنا شهادتهم وقضينا بالرد على البائع حتى قال جماعة من العلماء يقبل في ذلك قول واحد بانفراده ولو شهدوا بأن المرض مخوف قضينا برد التصرفات والتبرعات وورثنا المطلقة الثلاث في ذلك المرض إذا مات المطلق فيه ولو شهدوا بأن هذا الدواء في هذا الوقت لا يصلح بهذا المرض وإن دافعه له مخطئ ضمناه بشهادتهم ولو شهدوا بغير ذلك مما يتوقف على الطبيات والجراحات والأمور التي هي علمهم ودرايتهم قبلناه فكذلك ههنا فقول الفقهاء لا يقبل قول الكافر ولا شهادته ليس على إطلاقه بل ذلك في الشهادة في استحقاق الأموال والدماء ونحو ذلك من قضايا الحكام أما في هذا الباب فلا وقد قال قول الكفار في الأمور الغائبة من الطبيات يقبل مالك ويترتب على ذلك حكم شرعي وهو جواز التناول ونصوا أيضا على ذلك في قبول الهدية إذا جاءوا بها وأخبروا أن فلانا بعث بها معهم ويباح أكلها بذلك فظهر الفرق بين أقوال الكفارة في مواطنها . قول الكافر في الذبيحة