( المسألة السادسة ) في التهذيب رحمه الله لمالك يلزمه الطلاق الآن بخلاف إن شاء هذا الحجر ونحوه وسوى أنت طالق إن شاء الله أبو حنيفة في عدم اللزوم وقال والشافعي : يلزمه في الحجر ونحوه لأنه يعد نادما أو هازلا وهذه المسألة مبنية على أربع قواعد : سحنون
( القاعدة الأولى ) كل من له عرف يحمل كلامه على عرفه كقوله عليه السلام { } يحمل على الصلاة في عرفه عليه السلام دون الدعاء وكذلك قوله عليه السلام { لا يقبل الله صلاة بغير طهور } يحمل على الحلف الشرعي وهو الحلف بالله تعالى لأن الحلف بالطلاق والعتاق جعلهما عليه السلام من أيمان الفساق فلا يحمل الحديث المتقدم عليها . من حلف واستثنى عاد كمن لم يحلف
( القاعدة الثانية ) كما شرع الله تعالى الأحكام شرع مبطلاتها ودوافعها فشرع الإسلام وعقد الذمة سببين لعصمة الدماء والردة والحرابة وزنى المحصن وحرابة الذمي روافع والسبي سبب الملك والعتق رافع له ولا يلزم من شرعه رافع لحكم سبب أن يرفع حكم غيره فالاستثناء بالمشيئة شرعه رافعا لحكم اليمين لقوله عليه السلام عاد كمن لم يحلف فلا يلزم أن يكون رافعا لحكم العتق والتعليق كما أن التطليق رافع لحكم النكاح ولا يرفع حكم اليمين وكذلك سائر الروافع وليس إطلاق لفظ اليمين على البابين بالتواطؤ حتى يعم الحكم بل بالاشتراك أو المجاز في التعليق بالطلاق وغيره والذي يسمى يمينا [ ص: 77 ] حقيقة إنما هو القسم ولو لم يلزمه شيء وإذا كان البابان مختلفين لا يعم الحكم . أقسم بالطلاق ونحوه
( القاعدة الثالثة ) مشيئة الله تعالى واجبة النفوذ فلذلك كل عدم ممكن يعلم وقوعه نعلم أن الله تعالى أراده وكل وجود ممكن يعلم وقوعه نعلم أن الله تعالى أراده فتكون مشيئة الله تعالى معلومة قطعا وأما مشيئة غيره فلا تعلم غايته أن يخبرنا وخبره إنما يفيد الظن فظهر بطلان ما يروى عن وجماعة من العلماء من أنه علق الطلاق على مشيئة من لم تعلم مشيئته بخلاف التعليق على مشيئة البشر ويجعل ذلك سبب عدم لزوم الطلاق والأمر بالعكس . مالك
( القاعدة الرابعة ) الشرط وجوابه لا يتعلقان إلا بمعدوم مستقبل فإذا يحمل على دخول مستقبل وطلاق لم يقع قبل التعليق إجماعا والمشيئة قد جعلت شرطا ولا بد لها من مفعول والتقدير إن شاء الله طلاقك فأنت طالق فمفعولها إما أن يكون الطلاق الذي صدر منه في الحال أو طلاقا في المستقبل فإن كان الأول فنحن نقطع أن الله تعالى أراده في الأزل فقد تحقق الشرط في الأزل وهذه الشروط أسباب يلزم من وجودها الوجود فيلزم أن تطلق في أول أزمنة الإمكان وقبول المحل عند أول النكاح ولم يقل به أحد . قال : إن دخلت الدار فأنت طالق
[ ص: 78 ] وإن كان المفعول طلاقا مستقبلا فيكون التقدير إن شاء الله طلاقك في المستقبل فأنت طالق فالمشروط لهذا الشرط يلزم أن يكون مستقبلا لأن المرتب على المستقبل مستقبل فلا تطلق في الحال وإن كان المعنى إن شاء الله طلاقك في المستقبل بعد هذا الطلاق الملفوظ به الآن فلا ينفذ طلاق حتى يلفظ بالطلاق مرة أخرى فينفذ هذا وعلى التقديرين لا تطلق الآن فإن قلت : هذا لازم في مشيئة زيد إذا لم يحصل بلفظ في المستقبل لا ينفذ هذا قلت : الفرق أن مشيئة الله تعالى مؤثرة في حدوث مفعولها فإذا لم يحدث لفظ الطلاق انقطع بعدم مشيئة الله تعالى ومشيئة زيد غير مؤثرة بل هي كدخول الدار فكما إذا تجدد دخول الدار نفذ الطلاق كذلك إذا تجددت مشيئة زيد فإن قلت : لم لا يجوز أن يكون مفعول المشيئة نفوذ هذا الطلاق لا لفظا آخر يحدث في المستقبل ؟ قلت : يجوز ذلك من حيث اللغة وهو مفعول صحيح غير أنه يلزم من ذلك لزوم الطلاق ونفوذه أول أزمنة الإمكان من أول النكاح ولم يقله أحد فإن الله تعالى شرع الأسباب ليرتب عليها مسبباتها فمن باع [ ص: 79 ] وقال : إن شاء الله نفوذ هذا البيع نفذ قلنا له : قد شاء الله ذلك في الأزل وينفذ البيع إجماعا فكذلك ها هنا وقال : هذه المسألة مخرجة على استثناء الكل من الكل بجامع أنه مبطل على رأي القاضي عبد الوهاب فيلغو الجميع والفرق أن الشرط لم يتعين العبث فيه واللغو لأن التعليق على الممتنع من غرض العقلاء وإن بطلت جملة المشروط قال الله تعالى { الشافعي لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط } قلت : أما استثناء الكل من الكل فعبث فظهر بهذه القواعد وبهذا التقدير أن الحق في هذه المسألة عدم لزوم الطلاق في الحال لا بسبب ما قاله أن الاستثناء رافع لليمين بل لما ذكرناه من مقتضى هذا التعليق وتفاصيله . الشافعي