( الفرق الستون والمائة بين قاعدة وبين قاعدة المتداعيين شيئا لا يقدم أحدهما على الآخر إلا بحجة ظاهرة ) المتداعيين من الزوجين في متاع البيت يقدم كل واحد منهما فيما يشبه أن يكون له
قال في المدونة إذا اختلفا وهما زوجان أو عند الطلاق أو الورثة بعد الموت والزوجان حران أو عبدان أو أحدهما مسلمان أو أحدهما قضي للمرأة بما هو شأن النساء وللرجل بما هو شأن الرجال وما يصلح لهما قضي به للرجل لأن البيت بيته في مجرى العادة فهو تحت يده فيقدم لأجل اليد ووافق مالك مالكا والفقهاء رضي الله عنهم أجمعين وقال أبو حنيفة لا يقدم أحدهما على الآخر إلا بحجة ظاهرة كسائر المدعين وقياسا على الشافعي فإنه لا يقدم أحدهما على الآخر إلا بحجة ظاهرة وإن شهدت العادة بأن آلة العطر للعطار وآلة الصبغ [ ص: 149 ] للصباغ فكذلك ههنا قال الصباغ والعطار إذا تداعيا آلة العطر أو الصبغ ابن يونس إذا فرعنا على مذهب يحلف من قضي له . مالك
وقال ما عرف لأحدهما لا يحلف وقال سحنون ابن القاسم ما كان شأن الرجال وشأن النساء قسم بينهما بعد أيمانهما لاشتراكهما في اليد وما ولي الرجل شراءه من متاع البيت وشهدت له البينة أخذه بعد يمينه ما اشتراه إلا له وكذلك المرأة فإن اختلفا في البيت نفسه فهو للرجل لأنه ملكه في غالب العادة ولأن يده عليه قال ابن يونس الذي يختص بالرجل نحو العمامة فالقول قوله فيه بغير يمين إلا أن تدعي المرأة إرثه فيحلف قال ولا يكفي أحدهما أن يقول هذا لي لأنه متاع البيت حتى يقول هذا ملكي قال ابن حبيب عبد الحق في تهذيب الطالب فقال هو لها إلا الكتان بأن قال اشتريته فقال لو تنازعا في رداء له بقدر كتابه ولها بقدر عملها لأنه لو ادعاه صدق هذا تقرير المنقولات وأما وجه الجواب والفرق فنقول لنا قوله تعالى { أصبغ خذ العفو وأمر بالعرف } فكل ما شهد به العادة قضي به لظاهر هذه الآية إلا أن يكون هناك بينة ولأن القول قول مدعي العادة في مواقع الإجماع .
وأما ما أشار إليه رضي الله عنه وهو القياس على العطار والصباغ فمن أصحابنا من التزم التسوية أيضا أشار إليه الشافعي ابن القصار في عيون الأدلة وعلى هذا يبطل القياس وإن قلنا بعدم التسوية فالفرق أن الإشهاد بين الزوجين يتعذر لأنهما لو اعتمدا ذلك وإن من كان له شيء أشهد عليه أدى ذلك إلى المنافرة وعدم الوداد بينهما وربما أفضى ذلك إلى الطلاق والقطيعة فهما معذوران في عدم الإشهاد وملجآن إليه وإذا ألجئ لعدم إشهاد فلم يقض بينهما بالعادة لا نسد الباب عليهما بخلاف العطار والصباغ إذا كانا في حانوت واحد لا ضرورة تدعوهما لعدم الإشهاد فإنهما أجنبيان لا يتألمان من ضبط أموالهما بذلك وإن كانا في حانوتين أو تداعيا شيئا في يد ثالث فنقول الفرق أن الضرورة تدعو للملابسة في حق الزوجين فسلك بهما أقرب الطرق في إثبات أموالهما ولا ضرورة تدعو لملابسة العطار والصباغ فجريا على قاعدة الدعوى واستدل أيضا [ ص: 150 ] بقوله صلى الله عليه وسلم { الشافعي } فكل من ادعى من الزوجين كان عليه البينة لظاهر الحديث . البينة على من ادعى واليمين على من أنكر
وجوابه أن قاعدة المدعي هو كل من كان على خلاف أصل أو عرف والمدعى عليه هو كل من كان قوله على وفق أصل أو عرف فالمدعي بالدين على خلاف الأصل لأن الأصل براءة الذمة والمطلوب المنكر على وفق الأصل لأن الأصل براءة الذمة والمدعي رد الوديعة وقد قبضها ببينة قوله على خلاف الظاهر والعرف بسبب أن الغالب أن من قبض ببينة لا يرد إلا ببينة فدعوى الرد على خلاف الظاهر والمدعي عدم قبضها على وفق الظاهر وهو المدعى عليه وإذا كان هذا ضابط المدعي والمدعى عليه فإذا ادعت المرأة مقنعة وشبهها كان قولها على وفق الظاهر .
وقول الزوج على خلاف الظاهر فالزوج مدع فعليه البينة وهي مدعى عليها فالقول قولها فنحن نقول بموجب الحديث لا أنه حجة علينا واحتجوا أيضا بأن كل موضع لو كان المتداعيان امرأتين أو رجلين لم يقدم أحدهما على الآخر فكذلك إذا كانا رجلا وامرأة لم يقدم أحدهما على الآخر بالصلاحية بالقياس على ما إذا كان في يد ثالث ويؤكد أن حكم اليد لا يسقط بالصلاحية أن من فالقول قوله وإن كان الخلخال لا يصلح من لباسه لأجل أن يده عليه وكذلك كان بيده خلخال فادعته امرأة أجنبية فالقول قولها وإن كان لا يصلح لها لأجل أن يدها عليه فكذلك ههنا إذا كانا في الدار وفيها ما يصلح لأحدهما فإن يدهما عليه فلا يسقط اعتبار اليد بصلاحيته لأحدهما دون الآخر لو كان بيد المرأة سيف فادعاه رجل
( والجواب ) أنه لا فرق عندنا بين الرجل والمرأة وبين الرجلين وبين المرأتين وبين اليد الحكمية والمشاهدة فلو قضينا به للمرأة مع يمينها ولو تجاذبا سيفا كان للرجل مع يمينه وأما إذا كان بيد ثالث فليس لأحدهما عليه يد بخلاف مسألتنا فإن المستند عندنا اليد مع الصلاحية فإن قالوا ما ذكرتموه يبطل بأن ما يصلح لهما يكون للزوج مع أنه لا ظاهر يشهد له ويد كل واحد منهما عليه فقد نقضتم أصلكم ورجحتم من غير ترجيح فإن اليد مشتركة . تعلق رجل وامرأة بخلخال وأيديهما جميعا عليه يتجاذبانه
والظاهر من جهة الصلاحية منفي في حق كل واحد منهما قلنا بل يد الزوج أقوى وهو المرجح لأن المرأة في يده وتحت حوزه والدار له ألا ترى أن عليه أن يسكنها وأن يجيرها وأن يخدمها فالدار هي من [ ص: 151 ] قبله كحوز امرأته فلذلك قضي له مع يمينه كالمتداعيين لأحدهما يد والآخر لا يد له قالوا ما ذكرتموه من الظاهر إنما يشهد بالاستعمال فقط فإن السيف إنما يستعمله الرجال والحلي إنما يستعمله النساء ونزاعنا إنما هو في الملك لا في الاستعمال وقد تملك المرأة ما يصلح للرجل للتجارة أو بعارض من إرث أو غيره فقد أصدق علي رضي الله عنه رضي الله عنها درعا من حديد وقد يملك الرجال ما يصلح للنساء للتجارة أو غير ذلك من أسباب التمليك قلنا الظاهر فيما في يد الإنسان مما يصلح له أنه ملكه وهذا هو الغالب وغيره نادر وإذا دار الحكم بين النادر والغالب فحمله على الغالب أولى ألا ترى أن من هو ساكن في دار ويده عليها يقضى له بالملك بناء على الغالب وظاهر اليد فكذلك ههنا ووافقنا فاطمة في هذه المسألة من حيث الجملة لكنه قال ما يصلح لهما فهو للرجال إن كان حيا وإن كان ميتا فهو للمرأة وقال أبو حنيفة من أصحابه هو لورثة الزوج كقولنا وقال محمد بن الحسن إن تداعياه وهو في أيديهما مشاهدة قسم بينهما وقال أبو حنيفة أيضا إذا كانا أجنبيين يسكنان معا فتداعيا شيئا مما كان يصلح للرجل فهو له وما كان يصلح للمرأة فهو لها وما كان يصلح لهما قسم بينهما . أبو حنيفة
وإن اختلف العطار والدباغ في المسك والجلد فإنه يقسم بينهما وتناقض قوله في هذه الفروع وإن كان من حيث الجملة موافقا لنا وأما فطريقته واحدة وهي أن الزوجين إذا تداعيا شيئا فمن أقام بينة فهو له كما قلناه وإلا قسم بينهما نصفين بعد أيمانهما وكذلك الأجنبيان إذا سكنا دارا واحدة واحتج الشافعي فيما إذا مات الرجل أن سلطانه زال عن المرأة بالموت فكانت المرأة أرجح فيما تدعيه وجوابه أن الوارث شأنه أن ينتقل له ما كان لمورثه على الوجه الذي كان له بدليل الأخذ بالشفعة والرد بالعيب وخيار الشرط ( تفريع ) قال أبو حنيفة في تعليقه الذي تقدم فيه المرأة ويقضى لها به لأجل الصلاحية الحلي وثياب النساء وجميع الجهاز من الطست والمنارة والثياب والقبقاب والبسط والوسائد والمرافق والعرش ونحو ذلك الذي يقضى به للرجل السلاح والمنطقة والخاتم الفضة وثياب الرجل ونحو ذلك والذي يصلح لهما كالدار التي يسكنانها والرقيق وأما أصناف الماشية فلمن حازه لأنها ليست من متاع البيت وكذلك ما في المرابط من خيل أو بغال أو حمير [ ص: 152 ] فلمن حازه قال الطرطوشي والحصر كالدار إلا أن يعرف للزوجة وقال مالك ما يصلح للرجل أخذه مع يمينه وقال مالك لا يمين على واحد منهما فيما يصلح له إنما اليمين على الرجل فيما يصلح لهما وقاله سحنون ابن القاسم في غير المدونة وهو ظاهر قول وقال مالك لا يقضى لواحد منهما بشيء إلا بعد يمينه . ابن سحنون
وقال المغيرة ما يصلح لهما قسم بينهما بعد أيمانهما وسواء في هذا كله اختلفا قبل الطلاق أو بعده أو بعد خلع أو لعان أو فراق أو إيلاء أو غيره أو ماتا أو أحدهما واختلف الورثة والزوجان حران أو عبدان أو أحدهما حر والآخر عبد كانت الزوجة ذمية أم لا وسواء في هذا كله كانت عليه يد مشاهدة أو حكمية فاليد المشاهدة أن يكونا قابضين على الشيء فيتجاذبانه ويتنازعانه والحكمية أن يكون في الدار التي يسكنانها وسواء في هذا كله الزوجان والأجنبيان إذا سكن رجل وامرأة في دار وذوات المحارم الكل سواء وهذا أصل لا مناقضة فيه على المذهب حتى قال أئمتنا لو اختلف عطار ودباغ في المسك والجلد أو واختلف القاضي والحداد في القلنسوة والكير وكانت لهما عليه يد حكمية في دار يسكنانها أو مشاهدة فالقول في هذا كله قول من شهد له العرف والعادة فيحكم للرجل بالرمح مع يمينه وإن كان دملجا قضي به للمرأة مع يمينها ويقضى للعطار بالمسك مع يمينه وأما تنازع رجل وامرأة رمحا وهما يتجاذبانه قال فالذي يتبين لي فيه أن القول قول من حازه دون الآخر إن كان الزوجان في البيت فجاز أحدهما في يده وقبضته ما يصلح للآخر دونه