وقال رضي الله عنهما إذا نوى الثلاث لزمه واحدة رجعية لأن اسم الفاعل لا يفيد إلا أصل المعنى فالزائد يكون بمجرد النية والنية لا توجب طلاقا وجوابه أن لفظ ثلاثا إذا لفظ بها تبين المراد باللفظ نحو قوله قبضت عشرين درهما فقوله درهما يفيد اختصاص العدد بالدراهم وإن كان لا يدل عليه لغة فكذلك ثلاثا يخصص اللفظ بالبينونة وكل ما كان يحصل مع المفسر وجب أن يحصل قبله ؛ لأن المفسر إنما جعل لفهم السامع لا لثبوت ذلك الحكم في نفس الأمر كقوله تعالى أقيموا الصلاة الشرعية لكن لما ورد البيان من السنة في خصوصياتها وهيئاتها وأحوالها عد ذلك ثابتا بلفظ القرآن وأجمع المسلمون على أن الصلاة والزكاة مشروعة بالقرآن والقاعدة أن كل بيان لمجمل يعد منطوقا [ ص: 165 ] به في ذلك المجمل كذلك هاهنا وإن كان أبو حنيفة رحمه الله وافقنا على أبو حنيفة لزمته فكذلك هاهنا قوله أنت بائن وأنت طالق طلاقا وطلقتك وطلقي نفسك أنه إذا نوى بها الثلاث
المسألة الرابعة حكى صاحب كتاب مجالس العلماء أن الرشيد كتب إلى قاضيه هذه الأبيات وبعث بها إليه يمتحنه بها : أبي يوسف
فإن ترفقي يا هند فالرفق أيمن وإن تخرقي يا هند فالخرق أشأم فأنت طالق والطلاق عزيمة
ثلاثا ومن يخرق أعق وأظلم فبيني بها أن كنت غير رفيقة
وما لامرئ بعد الثلاثة مقدم
وقال له إذا نصبنا ثلاثا كم يلزمه ، وإذا رفعنا كم يلزمه فأشكل عليه ذلك وحمل الرقعة وكان معه في الدرب فقال له للكسائي اكتب له في الجواب يلزمه بالرفع واحدة وبالنصب ثلاث يعني أن الرفع يقتضي أنه خبر عن المبتدأ الذي هو الطلاق الثاني ويكون منقطعا عن الأول فلم يبق إلا قوله أنت طالق فتلزمه واحدة وبالنصب يكون تمييزا لقوله فأنت طالق فيلزمه الثلاث فإن ، قلت إذا نصبناه أمكن أن يكون تمييزا عن الأول كما ، قلت وأمكن أن يكون منصوبا على الحال من الثاني أي الطلاق معزوم عليه في حال كونه ثلاثا أو تمييزا له فلم خصصته بالأول ، قلت : الطلاق الأول منكر يحتمل بسبب تنكيره جميع مراتب الجنس وأعداده وأنواعه من غير تنصيص على شيء من ذلك لأجل التنكير فاحتاج للتمييز ليحصل المراد من ذلك المنكر المجهول . الكسائي
وأما الثاني فمعرفها استغنى بتعريفه واستغراقه الناشئ عن لام التعريف عن البيان فهذا هو المرجح ويحكى أن الرشيد بعث له بهذه الرقعة أول الليل وبعث الجواب بها أول الليل على حاله وجاءه من آخر الليل بغال موسقة قماشا وتحفا جائزة على جوابه فبعث بها أبو يوسف إلى أبو يوسف ولم يأخذ منها شيئا بسبب أنه هو الذي أعانه على الجواب فيها . الكسائي