( الفرق الثالث والستون والمائة بين قاعدة الاستثناء من الذوات وبين قاعدة الاستثناء من الصفات )
اعلم أن البابين وإن استويا في صحة الاستثناء غير أن الاستثناء من الصفات يجوز أن يؤتى فيه بلفظ دال على استثناء الكل من الكل في الظاهر بخلاف الاستثناء من الذوات وبيان ذلك بمسألتين
المسألة الأولى نقل صاحب الجواهر ، وقاله
nindex.php?page=showalam&ids=12502ابن أبي زيد في النوادر إن
nindex.php?page=treesubj&link=11783القائل إذا قال أنت طالق واحدة إلا واحدة إن كان مستفتيا .
وقال نويت ذلك وفي موضع لو سكت لم يكن طلاقا لم يلزمه شيء ؛ لأنه طلاق بغير نية وإن كان عليه بينة فيختلف فيه ؛ لأنه آت بما لا يشبه كما لو قال إن شاء هذا الحجر ، ويختلف إذا
nindex.php?page=treesubj&link=11783قال أنت طالق أمس إلا واحدة ؛ لأنه ليس مستثنيا للأول وإن
nindex.php?page=treesubj&link=11783قال طالق واحدة وواحدة إلا واحدة وأعاد الاستثناء على الواحدة يقع عليه اثنتان ، وكذلك إذا
nindex.php?page=treesubj&link=11783قال أنت طالق واحدة وواحدة وواحدة إلا واحدة فإنه يلزمه طلقتان إن أعاده على طلقة أو ثلاث إن أعاده على الواحدة وهذه المسألة من مشكلات المسائل عند الفقهاء وتقريرها وإيضاحها أن تقول قوله أنت طالق واحدة معناه طلقة واحدة والطلاق مصدر قد وصفه بالوحدة فهاهنا حينئذ صفة وموصوف في كلامه فإن قصد رفع الصفة دون الموصوف فقد رفع بعض ما نطق به فيصح ولنا قاعدة عقلية أن كل ضدين لا ثالث لهما إذا رفع أحدهما تعين ثبوت الآخر كقولك هذا العدد ليس بزوج يتعين أن يكون فردا .
وليس بفرد يتعين أن يكون زوجا ؛ لأنه لا واسطة بين الزوج والفرد في العدد ، وكذلك هاهنا لا واسطة بين الوحدة والكثرة في حقيقة المصدر فإذا رفع الوحدة من مصدر الطلاق تعين ضدها وهو الكثرة وأقل مراتب الكثرة اثنان فيلزمه طلقتان ؛ لأن الأصل براءة الذمة من الزائد عليهما وهذه المسألة لها ست حالات الحالة الأولى ما تقدم الحالة الثانية أن يقصد بقوله واحدة قبل الاستثناء الصفة وحدها .
ثم يستثنيها فاستثناؤه باطل ؛ لأنه رفع جملة ما وضعه أولا الحالة الثالثة أن يقصد بقوله واحدة نفس الطلاق من حيث
[ ص: 167 ] هو طلاق ولا يأخذه بقيد الوحدة ولا بقيد الكثرة ، ثم يورد الاستثناء أيضا على هذا المعنى بعينه فلا ينفعه الاستثناء ؛ لأنه رفع عين ما وضعه
( الحالة الرابعة ) أن يقصد بقوله أولا المصدر الموصوف بالوحدة ويقصد بقوله إلا واحدة الطلاق الموصوف بالوحدة فلا ينفعه أيضا استثناؤه ؛ لأنه رفع جملة ما وضعه
( الحالة الخامسة ) أن يريد بلفظ الأول الطلاق الموصوف بالوحدة ويقصد بالاستثناء الموصوف وهو مفهوم الطلاق دون الوحدة فهذا مستثنى لبعض ما نطق به مطابقة غير أنه يلزم من نفي أصل الطلاق نفي صفاته من الوحدة والكثرة فتنتفي الصفة أيضا مع الموصوف فيبطل استثناؤه ويلزمه طلقة لأنه لم يبق شيء بالمطابقة والالتزام
( الحالة السادسة ) أن يستعمل قوله الأول أنت طالق واحدة في الطلاق بوصف الثلاث ؛ لأنه يجوز إطلاق الجنس وإرادة عدد معين منه فإذا قال بعد ذلك إلا واحدة يريد بها بعض ذلك العدد الذي كان يقصده لزمه طلقتان وهما اللتان بقيتا في الأولى وخرجت واحدة من الثلاث بالاستثناء فهذا تقرير هذه المسألة وبها ظهر قوله أنت طالق واحدة إلا واحدة كيف تلزمه اثنتان ، وكذلك إذا قال واحدة وواحدة وواحدة إلا واحدة إن أراد بالاستثناء أحد هذه الثلاث لزمه اثنتان .
وإن أراد استثناء الصفة وهي الوحدة عن طلقة من هذه الطلقات الثلاث المتقدمة فمقتضى ذلك أن يلزمه أربع تطليقات لأنه رفع صفة الوحدة عن طلقة من الثلاث فيقع فيها الكثرة فتصير تلك الطلقة طلقتين كما تقدم تقريره لكن لما لم يكن سبيل إلى لزوم أربع بالإجماع اقتصرنا على ثلاث كما لو
nindex.php?page=treesubj&link=11730_11740_11783قال أنت طالق أربع تطليقات ومن الاستثناء في الصفات قول الشاعر ( :
قاتل ابن البتول إلا عليا
) قال الأدباء معناه قاتل ابن
nindex.php?page=showalam&ids=129فاطمة البتول أي المنقطعة عن الأزواج إلا عن
علي فاستثنى من صفتها ولم يستثنها غير أنه في هذا الكلام لم يستثن جملة الصفات كما تقدم في مسألة الطلاق ، بل من متعلقها فإن الانقطاع الذي هو التبتل يمكن أن يكون عن الأزواج كلها فلذلك استثنى من متعلق التبتل
عليا رضي الله عنه ومن التبتل قوله عز وجل {
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=8وتبتل إليه تبتيلا } أي انقطع إليه انقطاعا .
المسألة الثانية قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=58أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى } فهذا استثناء نوع
[ ص: 168 ] من الصفة وهي المونة الأولى ، وقوله بميتين لفظ يشملهم بصفة الموت ولم يستثنوا من أنفسهم أحدا ، بل بعض أنواع الصفة فصار الاستثناء تارة يقطع في جملة الصفة كمسألة الطلاق وفي بعض أنواعها كالآية وفي بعض متعلقاتها كالشعر المتقدم فتأمل ذلك وعلى هذه القاعدة تقول مررت بالساكن إلا الساكن فتستثني الصفة من الصفة وهو السكون فقط وتترك الموصوف فتتعين له الحركة ، فيكون مرورك بالمتحرك ، وكذلك مررت بالمتحرك إلا المتحرك فيتعين أنك مررت بالساكن كما تقدم التقرير ، وقد بسطت هذه المسائل في كتاب الاستغناء في أحكام الاستثناء .
وهو مجلد كبير واحد وخمسون بابا وأربعمائة مسألة ليس في جميع ذلك إلا الاستثناء والاستثناء من الصفة من أغرب أبوابه ، وقد بسطته لك هاهنا بهذه المسائل وظهر لك معنى هذه المسائل في الطلاق بسببه ، ولولاه لم يفهم أصلا ألبتة فنفائس القواعد لنوادر المسائل وجميع ذلك من فضل الله تعالى على خلقه هدانا الله سواء السبيل في القول والعمل .
( الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الذَّوَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الصِّفَاتِ )
اعْلَمْ أَنَّ الْبَابَيْنِ وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ غَيْرَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الصِّفَاتِ يَجُوزُ أَنْ يُؤْتَى فِيهِ بِلَفْظٍ دَالٍّ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ فِي الظَّاهِرِ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الذَّوَاتِ وَبَيَانُ ذَلِكَ بِمَسْأَلَتَيْنِ
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى نَقْلُ صَاحِبِ الْجَوَاهِرِ ، وَقَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12502ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ إنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=11783الْقَائِلَ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً إنْ كَانَ مُسْتَفْتِيًا .
وَقَالَ نَوَيْت ذَلِكَ وَفِي مَوْضِعٍ لَوْ سَكَتَ لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَيَخْتَلِفُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ آتٍ بِمَا لَا يُشْبِهُ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ ، وَيَخْتَلِفُ إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=11783قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ إلَّا وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُسْتَثْنِيًا لِلْأَوَّلِ وَإِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=11783قَالَ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً وَأَعَادَ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى الْوَاحِدَةِ يَقَعُ عَلَيْهِ اثْنَتَانِ ، وَكَذَلِكَ إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=11783قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ طَلْقَتَانِ إنْ أَعَادَهُ عَلَى طَلْقَةٍ أَوْ ثَلَاثٍ إنْ أَعَادَهُ عَلَى الْوَاحِدَةِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مُشْكِلَاتِ الْمَسَائِلِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَتَقْرِيرُهَا وَإِيضَاحُهَا أَنْ تَقُولَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً مَعْنَاهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَالطَّلَاقُ مَصْدَرٌ قَدْ وَصَفَهُ بِالْوَحْدَةِ فَهَاهُنَا حِينَئِذٍ صِفَةٌ وَمَوْصُوفٌ فِي كَلَامِهِ فَإِنْ قَصَدَ رَفْعَ الصِّفَةِ دُونَ الْمَوْصُوفِ فَقَدْ رَفَعَ بَعْضَ مَا نَطَقَ بِهِ فَيَصِحُّ وَلَنَا قَاعِدَةٌ عَقْلِيَّةٌ أَنَّ كُلَّ ضِدَّيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا إذَا رُفِعَ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ ثُبُوتُ الْآخَرِ كَقَوْلِك هَذَا الْعَدَدُ لَيْسَ بِزَوْجٍ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ فَرْدًا .
وَلَيْسَ بِفَرْدٍ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ زَوْجًا ؛ لِأَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْفَرْدِ فِي الْعَدَدِ ، وَكَذَلِكَ هَاهُنَا لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْوَحْدَةِ وَالْكَثْرَةِ فِي حَقِيقَةِ الْمَصْدَرِ فَإِذَا رَفَعَ الْوَحْدَةَ مِنْ مَصْدَرِ الطَّلَاقِ تَعَيَّنَ ضِدُّهَا وَهُوَ الْكَثْرَةُ وَأَقَلُّ مَرَاتِبِ الْكَثْرَةِ اثْنَانِ فَيَلْزَمُهُ طَلْقَتَانِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الزَّائِدِ عَلَيْهِمَا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَهَا سِتُّ حَالَاتٍ الْحَالَةُ الْأُولَى مَا تَقَدَّمَ الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَقْصِدَ بِقَوْلِهِ وَاحِدَةً قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ الصِّفَةَ وَحْدَهَا .
ثُمَّ يَسْتَثْنِيَهَا فَاسْتِثْنَاؤُهُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ جُمْلَةَ مَا وَضَعَهُ أَوَّلًا الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ يَقْصِدَ بِقَوْلِهِ وَاحِدَةً نَفْسَ الطَّلَاقِ مِنْ حَيْثُ
[ ص: 167 ] هُوَ طَلَاقٌ وَلَا يَأْخُذُهُ بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ وَلَا بِقَيْدِ الْكَثْرَةِ ، ثُمَّ يُورِدُ الِاسْتِثْنَاءَ أَيْضًا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ فَلَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ ؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ عَيْنَ مَا وَضَعَهُ
( الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ ) أَنْ يَقْصِدَ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا الْمَصْدَرَ الْمَوْصُوفَ بِالْوَحْدَةِ وَيَقْصِدَ بِقَوْلِهِ إلَّا وَاحِدَةً الطَّلَاقَ الْمَوْصُوفَ بِالْوَحْدَةِ فَلَا يَنْفَعُهُ أَيْضًا اسْتِثْنَاؤُهُ ؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ جُمْلَةَ مَا وَضَعَهُ
( الْحَالَةُ الْخَامِسَةُ ) أَنْ يُرِيدَ بِلَفْظِ الْأَوَّلِ الطَّلَاقَ الْمَوْصُوفَ بِالْوَحْدَةِ وَيَقْصِدَ بِالِاسْتِثْنَاءِ الْمَوْصُوفِ وَهُوَ مَفْهُومُ الطَّلَاقِ دُونَ الْوَحْدَةِ فَهَذَا مُسْتَثْنًى لِبَعْضِ مَا نَطَقَ بِهِ مُطَابَقَةً غَيْرَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ أَصْلِ الطَّلَاقِ نَفْيُ صِفَاتِهِ مِنْ الْوَحْدَةِ وَالْكَثْرَةِ فَتَنْتَفِي الصِّفَةُ أَيْضًا مَعَ الْمَوْصُوفِ فَيَبْطُلُ اسْتِثْنَاؤُهُ وَيَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ بِالْمُطَابَقَةِ وَالِالْتِزَامِ
( الْحَالَةُ السَّادِسَةُ ) أَنْ يَسْتَعْمِلَ قَوْلَهُ الْأَوَّلَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي الطَّلَاقِ بِوَصْفِ الثَّلَاثِ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ إطْلَاقُ الْجِنْسِ وَإِرَادَةُ عَدَدٍ مُعَيَّنٍ مِنْهُ فَإِذَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا وَاحِدَةً يُرِيدُ بِهَا بَعْضَ ذَلِكَ الْعَدَدِ الَّذِي كَانَ يَقْصِدُهُ لَزِمَهُ طَلْقَتَانِ وَهُمَا اللَّتَانِ بَقِيَتَا فِي الْأُولَى وَخَرَجَتْ وَاحِدَةٌ مِنْ الثَّلَاثِ بِالِاسْتِثْنَاءِ فَهَذَا تَقْرِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبِهَا ظَهَرَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً كَيْف تَلْزَمُهُ اثْنَتَانِ ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً إنْ أَرَادَ بِالِاسْتِثْنَاءِ أَحَدَ هَذِهِ الثَّلَاثِ لَزِمَهُ اثْنَتَانِ .
وَإِنْ أَرَادَ اسْتِثْنَاءَ الصِّفَةِ وَهِيَ الْوَحْدَةِ عَنْ طَلْقَةٍ مِنْ هَذِهِ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَلْزَمَهُ أَرْبَعُ تَطْلِيقَاتٍ لِأَنَّهُ رَفَعَ صِفَةَ الْوَحْدَةِ عَنْ طَلْقَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ فَيَقَعُ فِيهَا الْكَثْرَةُ فَتَصِيرُ تِلْكَ الطَّلْقَةُ طَلْقَتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ سَبِيلٌ إلَى لُزُومِ أَرْبَعٍ بِالْإِجْمَاعِ اقْتَصَرْنَا عَلَى ثَلَاثٍ كَمَا لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=11730_11740_11783قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَرْبَعَ تَطْلِيقَاتٍ وَمِنْ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الصِّفَاتِ قَوْلُ الشَّاعِرِ ( :
قَاتَلَ ابْنَ الْبَتُولِ إلَّا عَلِيًّا
) قَالَ الْأُدَبَاءُ مَعْنَاهُ قَاتَلَ ابْنَ
nindex.php?page=showalam&ids=129فَاطِمَةَ الْبَتُولِ أَيْ الْمُنْقَطِعَةِ عَنْ الْأَزْوَاجِ إلَّا عَنْ
عَلِيٍّ فَاسْتَثْنَى مِنْ صِفَتِهَا وَلَمْ يَسْتَثْنِهَا غَيْرَ أَنَّهُ فِي هَذَا الْكَلَامِ لَمْ يَسْتَثْنِ جُمْلَةَ الصِّفَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ ، بَلْ مِنْ مُتَعَلِّقِهَا فَإِنَّ الِانْقِطَاعَ الَّذِي هُوَ التَّبَتُّلُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَنْ الْأَزْوَاجِ كُلِّهَا فَلِذَلِكَ اسْتَثْنَى مِنْ مُتَعَلِّقِ التَّبَتُّلِ
عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمِنْ التَّبَتُّلِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=8وَتَبَتَّلْ إلَيْهِ تَبْتِيلًا } أَيْ انْقَطِعْ إلَيْهِ انْقِطَاعًا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=58أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى } فَهَذَا اسْتِثْنَاءُ نَوْعٍ
[ ص: 168 ] مِنْ الصِّفَةِ وَهِيَ الْمُونَةُ الْأُولَى ، وَقَوْلُهُ بِمَيِّتِينَ لَفْظٌ يَشْمَلُهُمْ بِصِفَةِ الْمَوْتِ وَلَمْ يَسْتَثْنُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَحَدًا ، بَلْ بَعْضَ أَنْوَاعِ الصِّفَةِ فَصَارَ الِاسْتِثْنَاءُ تَارَةً يُقْطَعُ فِي جُمْلَةِ الصِّفَةِ كَمَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ وَفِي بَعْضِ أَنْوَاعِهَا كَالْآيَةِ وَفِي بَعْضِ مُتَعَلِّقَاتِهَا كَالشِّعْرِ الْمُتَقَدِّمِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَقُولُ مَرَرْت بِالسَّاكِنِ إلَّا السَّاكِنَ فَتَسْتَثْنِي الصِّفَةَ مِنْ الصِّفَةِ وَهُوَ السُّكُونُ فَقَطْ وَتَتْرُكُ الْمَوْصُوفَ فَتَتَعَيَّنُ لَهُ الْحَرَكَةُ ، فَيَكُونُ مُرُورُك بِالْمُتَحَرِّكِ ، وَكَذَلِكَ مَرَرْت بِالْمُتَحَرِّكِ إلَّا الْمُتَحَرِّكَ فَيَتَعَيَّنُ أَنَّك مَرَرْت بِالسَّاكِنِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّقْرِيرُ ، وَقَدْ بَسَطْتُ هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ فِي أَحْكَامِ الِاسْتِثْنَاءِ .
وَهُوَ مُجَلَّدٌ كَبِيرٌ وَاحِدٌ وَخَمْسُونَ بَابًا وَأَرْبَعُمِائَةِ مَسْأَلَةٍ لَيْسَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا الِاسْتِثْنَاءُ وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الصِّفَةِ مِنْ أَغْرَبِ أَبْوَابِهِ ، وَقَدْ بَسَطْته لَك هَاهُنَا بِهَذِهِ الْمَسَائِلِ وَظَهَرَ لَك مَعْنَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي الطَّلَاقِ بِسَبَبِهِ ، وَلَوْلَاهُ لَمْ يُفْهَمْ أَصْلًا أَلْبَتَّةَ فَنَفَائِسُ الْقَوَاعِدِ لِنَوَادِرِ الْمَسَائِلِ وَجَمِيعُ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ هَدَانَا اللَّهُ سَوَاءَ السَّبِيلِ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ .