( ) الفرق السبعون والمائة بين قاعدة ما يلزم الكافر إذا أسلم وقاعدة ما لا يلزمه
اعلم أن فيلزمه ثمن البياعات وأجر الإجارات ودفع الديون التي اقترضها ونحو ذلك ولا يلزمه من حقوق الآدميين القصاص ولا الغصب والنهب إن كان حربيا ، وأما أحوال الكافر مختلفة إذا أسلم ؛ لأنه عقد الذمة وهو راض بمقتضى عقد الذمة . الذمي فيلزمه جميع المظالم وردها
وأما الحربي فلم يرض بشيء فلذلك أسقطا عنه الغصوب والنهوب والغارات ونحوها ، وأما حقوق الله تعالى فلا تلزمه وإن كان ذميا مما تقدم في كفره لا ظهار ولا نذر ولا يمين من الأيمان ولا قضاء الصلوات ولا الزكوات ولا شيء فرط فيه من حقوق الله تعالى لقوله عليه الصلاة والسلام { } وضابط الفرق أن حقوق العباد قسمان منها ما رضي به حالة كفره واطمأنت نفسه بدفعه لمستحقه فهذا لا يسقط بالإسلام ؛ لأن إلزامه إياه ليس منفرا له عن الإسلام لرضاه وما لم يرض بدفعه لمستحقه كالقتل والغصب ونحوه فإن هذه الأمور إنما دخل عليها معتمدا على أنه لا يوفيها أهلها فهذا كله يسقط ؛ لأن في إلزامه ما لم يعتقد لزومه تنفيرا له عن الإسلام فقدمت مصلحة الإسلام على مصلحة ذوي الحقوق ، وأما حقوق الله تعالى فتسقط مطلقا رضي بها أم لا والفرق بينها وبين حقوق الآدميين من وجهين أحدهما أن الإسلام حق الله تعالى والعبادات ونحوها حق لله تعالى ، فلما كان الحقان لجهة واحدة ناسب [ ص: 185 ] أن يقدم أحدهما على الآخر ويسقط أحدهما الآخر لحصول الحق الثاني لجهة الحق الساقط . الإسلام يجب ما قبله
وأما حق الآدميين فجهة الآدميين والإسلام ليس حقا لهم ، بل لجهة الله تعالى فناسب أن لا يسقط حقهم بتحصيل حق غيرهم
( وثانيهما ) أن الله تعالى كريم جواد تناسب رحمته المسامحة والعبد بخيل ضعيف فناسب ذلك التمسك بحقه فسقطت حقوق الله تعالى مطلقا وإن رضي بها كالنذور والأيمان أو لم يرض بها كالصلوات والصيام ولا يسقط من حقوق العباد إلا ما تقدم الرضى به فهذا هو الفرق بين القاعدتين .