( الفرق الخامس والثمانون والمائة بين قاعدة ما يجوز بيعه وقاعدة ما لا يجوز بيعه )
فقاعدة ما اجتمع فيه شروط خمسة وقاعدة ما يجوز بيعه ما فقد منه أحد هذه الشروط الخمسة فالشروط الخمسة هي الفرق بينهما وهي ( الطهارة ) لقوله عليه السلام في الصحيحين { ما لا يجوز بيعه اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها [ ص: 240 ] وأكلوا أثمانها } إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام ، فقيل له يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنها يطلى بها السفن ويستصبح بها فقال لعن الله
( الشرط الثاني ) أن يكون منتفعا به ليصح مقابلة الثمن له
( الشرط الثالث ) أن يكون مقدورا على تسليمه حذرا من الطير في الهواء والسمك في الماء ونحوها لنهيه عليه السلام عن بيع الغرر
( الشرط الرابع ) أن يكون معلوما للمتعاقدين لنهيه عليه السلام عن أكل المال بالباطل
( الشرط الخامس ) أن يكون الثمن والمبيع مملوكين للعاقد والمعقود له أو من أقيما مقامه فهذه شروط في جواز البيع دون الصحة ؛ لأن محرم وفي الشروط مسألتان ( المسألة الأولى ) بيع الفضول وشراءه
في الشرط الثاني قال صاحب الجواهر يكفي أصل المنفعة وإن قلت وقلت قيمتهما [ ص: 241 ] فيصح ، وقاله بيع التراب والماء ولبن الآدميات الشافعي قياسا على لبن الغنم ، وقال وابن حنبل رضي الله عنهم أجمعين : لا يجوز بيعه ولا أكله ؛ لأنه جزء حيوان منفصل عنه في حياته فيحرم أكله فيمتنع بيعه وجوابه القياس المتقدم وفرق هو بشرف الآدمي وإباحة لبنه هو أنه استثني منه الرضاع للضرورة وبقي ما عداه على الأصل بخلاف الأنعام بدليل تحريم لحمه تشريفا له ويندفع الفرق بما روي عن أبو حنيفة عائشة رضي الله عنها أنها أرضعت كبيرا فحرم عليها فلو كان حراما لما فعلت ذلك ، ولم ينكر عليها أحد من الصحابة فكان ذلك إجماعا على إلغاء هذا الفرق
( المسألة الثانية ) [ ص: 242 ] بيع الفضول في الشرط الخامس قال صاحب الجواهر مقتضى ما حكاه الشيخ أبو إسحاق أن هذا الشرط شرط في الصحة ، وقاله الشافعي رضي الله عنهما ، وقال وابن حنبل رضي الله عنه هو شرط في الشراء دون البيع ، وقال أبو حنيفة ابن يونس يمتنع أن يشتري من رجل سلعة ليست في ملكه ويوجب على نفسه تحصيل ثمنها ؛ لأنه غرر .
وقال إن نزل ذلك فلربها إمضاء البيع كمن غصب سلعة والمشتري يعلم بالغصب ومنع سحنون ذلك في الغاصب لدخولهما على الفساد والغرر قال أشهب ابن يونس وهو القياس في المسألتين قلت فظاهر هذا النقل يقتضي أن إطلاق الأصحاب محمول على ما إذا كان المشتري غير عالم بعدم الملك فالمشهور أن له الإمضاء أما إذا علم فلا على هذا الخلاف احتج الشافعية والحنابلة بقوله عليه السلام { آدم } ؛ ولأن وجود [ ص: 243 ] السبب بكماله بدون آثاره يدل على فساده وقياسا على الطلاق والفرق عند لا بيع ولا طلاق ولا عتاق فيما لا يملك ابن أن الشراء يقع للمباشر فيفتقر نقل الملك إلى عقد آخر ، وكذلك الوكيل عنده يقع العقد له ، ثم ينتقل بخلاف البائع فإنه مخرج للسلعة لا جالب لها والجواب عن الأول القول بالموجب أو نحمله على ما قبل الإجازة ؛ لأن العام في الأشخاص مطلق في الأحوال سلمنا عمومه في الأحوال لكنه معارض بأنه عليه السلام { أبي حنيفة لعروة البارقي دينارا ليشتري له به أضحية فاشترى به أضحيتين ، ثم باع أحدهما بدينار وجاء بدينار وأضحية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بارك الله لك في صفقة يمينك فكان إذا اشترى التراب ربح فيه } خرجه دفع أبو داود ؛ ولأنه تعاون على البر ، فيكون مشروعا لقوله تعالى { وتعاونوا على البر والتقوى } ، وعن الثاني أنه ينتقض ببيع الخيار ، وعن الثالث الفرق بأن الطلاق [ ص: 244 ] والعتاق لا يقبلان الخيار فكذلك لا يقبلان الإيقاف والبيع يقبل الخيار فيقبل الإيقاف
( فرع مرتب ) إذ قلنا إن بيع الفضول يصح ويتوقف على الإجازة فهل يجوز الإقدام ابتداء قال القاضي في التنبيهات ما يقتضي تحريمه لعده إياه مع ما يقتضي الفساد لأمر خارجي .
وقال ذلك كبيع الأم دون ولدها وبيع يوم الجمعة وبيع مال الغير بغير أمره وظاهر كلام صاحب الطراز الجواز لقوله تعالى { وتعاونوا على البر والتقوى } ، وقال الأبهري قال يحرم مالك حتى يختار لنهيه عليه السلام عن بيع ما لم يضمن قال بيع السلع أيام الخيار الأبهري يحرم ذلك عليه حتى يتقرر ملكه عليها قال ومعنى نهيه عليه السلام عن بيع ما لم يضمن بيع الإنسان لملك غيره ، وهذا تصريح من مالك والأبهري بالتحريم ويجاب عن حديث عروة البارقي بأن حالة الصحبة أوجبت الإذن بلسان الحال الذي يقوم مقام [ ص: 245 ] التوكيل بلسان المقال الموجب لنفي الإثم والإباحة بخلاف الأجنبي مطلقا .