( ) الفرق السابع والتسعون والمائة بين قاعدة ما ينتقل إلى الأقارب من الأحكام غير الأموال وبين قاعدة ما لا ينتقل من الأحكام
اعلم أنه يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { من مات عن حق فلورثته } ، وهذا اللفظ [ ص: 276 ] ليس على عمومه ، بل من الحقوق ما ينتقل إلى الوارث ومنها ما لا ينتقل فمن حق الإنسان أن يلاعن عند سبب اللعان وأن يفيء بعد الإيلاء وأن يعود بعد الظهار وأن يختار من نسوة إذا أسلم عليهن وهن أكثر من أربع وأن يختار إحدى الأختين إذا أسلم عليهما ، وإذا جعل المتبايعان له الخيار فمن حقه أن يملك إمضاء البيع عليهما وفسخه ومن حقه ما فوض إليه من الولايات والمناصب كالقصاص والإمامة والخطابة وغيرهما وكالأمانة والوكالة فجميع هذه الحقوق لا ينتقل للوارث منها شيء وإن كانت ثابتة للمورث ، بل الضابط لما ينتقل إليه ما كان متعلقا بالمال أو يدفع ضررا عن الوارث في عرضه بتخفيف ألمه وما كان متعلقا بنفس المورث وعقله وشهواته لا ينتقل للوارث والسر في الفرق أن الورثة يرثون المال فيرثون ما يتعلق به تبعا له ولا يرثون عقله ولا شهوته ولا نفسه فلا يرثون ما يتعلق بذلك وما لا يورث لا يرثون ما يتعلق به ، فاللعان يرجع إلى أمر يعتقده لا يشاركه فيه غيره غالبا والاعتقادات ليست من باب المال [ ص: 277 ] والفيئة شهوته والعود إرادته واختيار الأختين والنسوة إربه وميله وقضاؤه على المتبايعين عقله وفكرته ورأيه ومناصبه وولاياته وآراؤه واجتهاداته وأفعاله الدينية فهو دينه ولا ينتقل شيء من ذلك للوارث ؛ لأنه لم يرث مستنده وأصله ، وانتقل . للوارث خيار الشرط في البيعات
وقاله رحمه الله تعالى ، وقال الشافعي أبو حنيفة لا ينتقل إليه وينتقل للوارث خيار الشفعة عندنا وخيار التعيين إذا اشترى مورثه عبدا من عبدين على أن يختار ، وخيار الوصية إذا مات الموصى له بعد موت الموصي وخيار الإقالة والقبول إذا أوجب البيع لزيد فلوارثه القبول والرد . وأحمد بن حنبل
وقال ابن المواز إذا فمتى جاء أحد بذلك إلى شهرين لزمه وخيار الهبة وفيه خلاف ومنع قال من جاءني بعشرة فغلامي له خيار الشفعة وسلم خيار الرد بالعيب وخيار تعدد الصفقة وحق القصاص وحق الرهن وحبس المبيع وخيار أبو حنيفة أخذه بعد القسمة ووافقناه نحن على ما وجد من أموال المسلمين في الغنيمة فمات ربه قبل أن يختار وسلم خيار [ ص: 278 ] الهبة في الأب للابن بالاعتصار وخيار العتق واللعان والكتابة والطلاق بأن يقول طلقت امرأتي متى شئت فيموت المقول له جميع ما سلمناه وسلم خيار الإقالة والقبول ومدارك المسألة على أن الخيار عندنا صفة للعقد فينتقل مع العقد فإن آثار العقد انتقلت للوارث ، وعند الشافعي صفة للعاقد ؛ لأنها مشيئته واختياره فتبطل بموته كما تبطل سائر صفاته ؛ ولأن الأجل في الثمن لا يورث فكذلك في الخيار ؛ ولأن البائع رضي بخيار واحد وأنتم تثبتونه لجماعة لم يرض بهم وهم الورثة فوجب أن لا يتعدى الخيار من اشترط له كما لا يتعدى الأجل من اشترط له . أبي حنيفة
( والجواب عن الأول ) أن اختياره صفته ، ولكن صفة متعلقة بالمال فينتقل كاختياره الأكل والشرب وأنواع الانتفاع في المال فإن جميع ذلك ينتقل تبعا للمال ( وعن الثاني ) أن الأجل معناه تأخير المطالبة ، والوارث لا مطالبة عليه ، بل هو صفة للدين لا جرم لما انتقل الدين للوارث انتقل مؤجلا ، وكذلك ها هنا تنتقل الصفة لمن انتقل إليه الموصوف فهذا لنا لا علينا ( وعن [ ص: 279 ] الثالث ) أنه ينتقض بخيار التعيين وبشرط الخيار للأجنبي ، وقد أثبتوه للوارث وبما إذا جنى فإنه ينتقل إلى الولي ما لم يرض به البائع فهذا تلخيص مدرك الخلاف ويعضدنا في موطن الخلاف قوله تعالى { ولكم نصف ما ترك أزواجكم } وهو عام في الحقوق فيتناوله صورة النزاع ولم يخرج عن حقوق الأموال إلا صورتان فيما علمت حد القذف وقصاص الأطراف والجرح والمنافع في الأعضاء فإن هاتين الصورتين تنتقلان للوارث وهما ليستا بمال لأجل شفاء غليل الوارث بما دخل على عرضه من قذف مورثه والجناية عليه ، وأما قصاص النفس فإنه لا يورث فإنه لم يثبت للمجني عليه قبل موته وإنما ثبت للوارث ابتداء ؛ لأن استحقاقه فرع زهوق النفس فلا يقع إلا للوارث بعد موت المورث فهذا تلخيص هذا الفرق ببيان سره ومداركه والخلاف فيه .