[ ص: 89 ] المسألة الثانية ) قوله تعالى { ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم } وقاعدة كقولنا لو جاءني زيد لأكرمته فهما ثبوتان فما جاءك ولا أكرمته . لو إذا دخلت على ثبوتين عادا نفيين أو على نفيين عادا ثبوتين أو على نفي وثبوت فالنفي ثبوت والثبوت نفي
ولو لم يستدن لم يطالب فهما نفيان والتقدير أنه استدان وطولب ولو لم يؤمن أريق دمه والتقدير أنه آمن ولم يرق دمه وبالعكس لو آمن لم يقتل تقديره لم يؤمن فقتل .
فإذا تقررت هذه القاعدة فيلزم أن تكون كلمات الله تعالى نفدت وليس كذلك لأن لو دخلت هنا على ثبوت أولا ونفي أخيرا فيكون الثبوت الأول نفيا وهو كذلك فإن الشجر ليست أقلاما ويلزم أن النفي الأخير ثبوت فتكون نفدت وليس كذلك ونظير هذه الآية قوله عليه السلام { نعم العبد لو لم يخف الله لم يعصه صهيب } يقتضي أنه خاف وعصى مع الخوف وهو أقبح فيكون ذلك ذما لكن الحديث سيق للمدح وعادة الفضلاء يتولعون بالحديث كثيرا أما الآية فقليل من يتفطن لها وذكر الفضلاء في الحديث أجوبة أما الآية الكريمة فلم أر لأحد فيها شيئا ويمكن تخريجها على ما قالوه في الحديث غير أني ظهر لي جواب عن الجميع هو حسن سأذكره إن شاء الله تعالى بعد ذكري لأجوبة الناس لأن من سبق أولى بالتقديم أما أجوبة الناس في الحديث فقال الأستاذ ابن عصفور : لو في الحديث بمعنى إن لمطلق الربط [ ص: 90 ] وأن لا يكون نفيها ثبوتا ولا ثبوتها نفيا فيندفع الإشكال وقال شمس الدين الخسرو شاهي : إن لمطلق الربط وإنما اشتهرت في العرف في انقلاب ثبوتها نفيا وبالعكس والحديث إنما ورد بمعنى اللفظ في اللغة . لو في أصل اللغة
وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام : الشيء الواحد قد يكون له سبب واحد فينتفي عند انتفائه وقد يكون له سببان لا يلزم من عدم أحدهما عدمه لأن السبب الثاني يخلفه السبب الأول كقولنا في زوج هو ابن عم لو لم يكن زوجا لورث أي بالتعصيب فإنهما سببان لا يلزم من عدم أحدهما عدم الآخر وكذلك ها هنا الناس في الغالب إنما لم لم يعصوا لأجل الخوف فإذا ذهب الخوف عنهم عصوا لاتحاد السبب في حقهم فأخبر عليه السلام أن رضي الله عنه اجتمع في حقه سببان يمنعانه من المعصية الخوف والإجلال فلو انتفى الخوف في حقه لانتفى العصيان للسبب الآخر وهو الإجلال وهذا مدح عظيم جليل صهيبا وكلام حسن . لصهيب
وأجاب غيرهم بأن الجواب محذوف تقديره لو لم يخف الله عصمه الله ودل على ذلك قوله لم يعصه وهذه الأجوبة تأتي في الآية غير الثالث فإن عدم نفاد كلمات الله تعالى وأنها غير متناهية أمر ثابت لها لذاتها وما بالذات لا يعلل بالأسباب فتأمل ذلك هذا كلام الفضلاء الذي اتصل بي والذي ظهر لي أن لو أصلها أن تستعمل للربط بين شيئين كما تقدم ثم إنها أيضا تستعمل لقطع الربط فتكون جوابا لسؤال محقق أو متوهم وقع فيه ربط فتقطعه أنت لاعتقادك بطلان ذلك الربط كما لو قال القائل : لو لم يكن زيد زوجا لم يرث فتقول له أنت : لو لم يكن زوجا لم يحرم تريد أن ما ذكره من الربط
[ ص: 91 ] بين عدم الزوجية وعدم الإرث ليس بحق فمقصودك قطع ربط كلامه لا ارتباط كلامك وتقول لو لم يكن زيد عالما لأكرم أي لشجاعته جوابا لسؤال سائل تتوهمه أو سمعته وهو يقول : إنه إذا لم يكن عالما لم يكرم فيربط بين عدم العلم وعدم الإكرام فتقطع أنت ذلك الربط وليس مقصودك أن تربط بين عدم العلم والإكرام لأن ذلك ليس بمناسب ولا من أغراض العقلاء ولا يتجه كلامك إلا على عدم الربط كذلك الحديث لما كان الغالب على الناس أن يرتبط عصيانهم بعدم خوفهم وأن ذلك في الأوهام قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم هنا الربط وقال { : لو لم يخف الله لم يعصه } وكذلك لما كان الغالب على الأوهام أن الشجر كلها إذا صارت أقلاما والبحر المالح مع غيره مدادا يكتب به يقول الوهم ما يكتب بهذا شيء إلا نفد وما عساه أن يكون قطع الله تعالى هذا الربط وقال ما نفدت وهذا الجواب أصلح من الأجوبة المتقدمة من وجهين : أحدهما شموله لهذين الموضعين وبعضها لم يشمل كما تقدم بيانه وثانيهما أن لو بمعنى أن خلاف الظاهر ومخالف للعرف وادعاء النقل خلاف الأصل والظاهر وحذف الجواب خلاف الظاهر وما ذكرته من الجواب ليس فيه مخالفة للعرف فإن أهل العرف يستعملون ما ذكرته ولا [ ص: 92 ] يفهمون غيره في تلك الموارد ويعم هذا الجواب الواجب لذاته كصفات الله وكلماته والممكن القابل للتعليل كطاعة رضي الله عنه . صهيب