3-باب في ذلك يدا بيد
روى من حديث الترمذي عن حجاج بن أرطاة عن أبي الزبير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " جابر الحيوان اثنان بواحد لا يصلح نساء، ولا بأس به يدا بيد " قال هذا حديث حسن. الترمذي:
وفي مسند عن أحمد " ابن عمر أن رجلا قال: يا رسول الله، أرأيت [ ص: 423 ] الرجل يبيع الفرس بالأفراس، والنجيبة بالإبل ؟ قال: لا بأس إذا كان يدا بيد ".
قال الإمام أحمد حديث والبخاري: هذا، المعروف مرسل. ابن عمر
فاختلف أهل العلم في هذه المسألة على أربعة أقوال، وهي أربع روايات عن أحمد.
إحداها: أن ما سوى المكيل والموزون من الحيوان والنبات ونحوه يجوز بيع بعضه ببعض متفاضلا ومتساويا، وحالا ونساء، وأنه لا يجري فيه الربا بحال، وهذا مذهب الشافعي في إحدى رواياته، واختارها القاضي وأصحابه، وصاحب المغني. وأحمد
والرواية الثانية عن أنه يجوز التفاضل فيه يدا بيد، ولا يجوز [ ص: 424 ] نسيئة، وهي مذهب أحمد: كما دل عليه حديث أبي حنيفة، جابر وابن عمر.
والرواية الثالثة عنه: أنه يجوز فيه النساء إذا كان متماثلا، ويحرم مع التفاضل.
وعلى هاتين الروايتين: فلا يجوز الجمع بين النسيئة والتفاضل، بل إن وجد أحدهما حرم الآخر.
وهذا أعدل الأقوال في المسألة، وهو قول مالك.
فيجوز عبد بعبدين حالا، وعبد بعبد نساء، إلا أن لمالك فيه تفصيلا.
والذي عقد عليه أصل قوله: أنه لا يجوز التفاضل والنساء معا في جنس من الأجناس، والجنس عنده معتبر باتفاق الأغراض والمنافع، فيجوز بيع البعير النجيب بالبعيرين من الحمولة، ومن حاشية إبله إلى أجل؛ لاختلاف المنافع، وإن أشبه بعضها بعضا، -واختلفت أجناسها، أو لم تختلف- فلا يجوز منها اثنان بواحد إلى أجل.
فسر مذهبه: أنه لا يجتمع التفاضل والنساء في الجنس الواحد عنده، والجنس ما اتفقت منافعه، وأشبه بعضه بعضا، وإن اختلفت حقيقته.
[ ص: 425 ] فهذا تحقيق مذاهب الأئمة في هذه المسألة المعضلة، ومآخذهم.
وحديث صريح في جواز المفاضلة والنساء، وهو حديث حسن. عبد الله بن عمرو
قال عثمان بن سعيد: قلت أبو سفيان الذي روى عنه ليحيى بن معين: - يعني هذا الحديث - ما حاله ؟ قال: مشهور ثقة. محمد بن إسحاق
قلت: عن مسلم بن كثير عن عمرو بن حريث الزبيدي ؟ قال: هو حديث مشهور.
ولكن مالك يحمله على اختلاف المنافع والأغراض، فإن الذي كان يأخذه إنما هو للجهاد، والذي جعله عوضه هو من إبل الصدقة، قد يكون مع بني المخاض، ومن حواشي الإبل ونحوها.
وأما فإنه كان يعلل أحاديث المنع كلها. الإمام أحمد:
قال: ليس فيها حديث يعتمد عليه ويعجبني أن يتوقاه، وذكر له حديثا ابن عباس فقال: هما مرسلان. وابن عمر،
وحديث سمرة عن قال الحسن قال الأثرم أبو عبد الله: لا يصح سماع [ ص: 426 ] من الحسن سمرة.
وأما حديث من رواية جابر حجاج عن عنه، فقال الإمام أبي الزبير هذا حجاج زاد فيه " نساء "، أحمد: سمعه من والليث بن سعد لا يذكر فيه " نساء ". أبي الزبير،
وهذه ليست بعلة في الحقيقة، فإن قوله " ولا بأس به يدا بيد " يدل على أن قوله " لا يصلح " يعني نساء، فذكر هذه اللفظة زيادة إيضاح لو سكت عنها لكانت مفهومة من الحديث، ولكنه معلل بالحجاج، فقد أكثر الناس الكلام فيه وبالغ الدارقطني في السنن في تضعيفه وتوهينه.
وقد قال إذا اختلفت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم نظرنا إلى ما عمل به أصحابه من بعده. أبو داود:
وقد ذكرنا الآثار عن الصحابة بجواز ذلك متفاضلا ونسيئة، وهذا كله مع اتحاد الجنس.
وأما إلا ما حكي رواية عن إذا اختلف الجنس، كالعبيد بالثياب، والشاء بالإبل، فإنه يجوز عند جمهور الأمة التفاضل فيه والنساء، أنه يجوز بيعه متفاضلا يدا بيد، ولا يجوز نساء، وحكى هذا أصحابنا عن أحمد: رواية رابعة في المسألة. أحمد
واحتجوا لها بظاهر حديث " جابر "، ولم يخص به الجنس المتحد، وكما يجوز التفاضل في المكيل المختلف الجنس دون النساء، فكذلك الحيوان وغيره، إذا قيل إنه ربوي. الحيوان اثنان بواحد لا يصلح [ ص: 427 ] نسيئة، ولا بأس به يدا بيد
وهذه الرواية في غاية الضعف، لمخالفتها النصوص، وقياس الحيوان على المكيل فاسد، إذ في محل الحكم في الأصل أوصاف معتبرة غير موجودة في الفرع، وهي مؤثرة في التحريم.
وحديث - لو صح - فإنما المراد به مع اتحاد الجنس دون اختلافه، كما هو مذكور في حديث ابن عمر. جابر
فهذه نكت في هذه المسألة المعضلة لا تكاد توجد مجموعة في كتاب، وبالله التوفيق.