الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              3176 342 \ 3047 -وعن عبادة بن الصامت قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم في الجنازة حتى توضع في اللحد، فمر به حبر من اليهود فقال هكذا نفعل فجلس النبي صلى الله عليه وسلم، وقال اجلسوا خالفوهم

                                                              وأخرجه وابن ماجه والترمذي ، وقال: غريب، وبشر بن رافع ليس بالقوي في الحديث.

                                                              [ ص: 362 ] وقال أبو بكر الهمذاني: ولو صح لكان صريحا في النسخ، غير أن حديث أبي سعيد أصح وأثبت، فلا يقاومه هذا الإسناد.

                                                              وقال غيره: النسخ ثابت بحديث علي.

                                                              التالي السابق




                                                              قال ابن القيم رحمه الله: وهذا هو الذي نحاه الشافعي.

                                                              قال: وقد روى حديث عامر بن ربيعة، وهذا لا يعدو أن يكون منسوخا، أو يكون النبي صلى الله عليه وسلم قام لها لعلة قد رواها بعض المحدثين: من " أن جنازة يهودي مر بها على النبي صلى الله عليه وسلم، فقام لها كراهية أن تطوله "، وأيهما كان، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم تركه بعد فعله، والحجة في الآخر من أمره: إن كان الأول واجبا فالآخر من أمره ناسخ، وإن كان استحبابا فالآخر هو الاستحباب، وإن كان مباحا فلا بأس في القيام، والقعود أحب إلي؛ لأنه الآخر من فعله.

                                                              ثم ذكر حديث علي

                                                              اختلف أهل العلم في القيام للجنازة وعلى القبر على أربعة أقوال.

                                                              [ ص: 363 ] أحدها: أن ذلك كله منسوخ: قيام تابعها، وقيام من مرت عليه، وقيام المشيع على القبر.

                                                              قال هؤلاء: وما جاء من القعود: نسخ هذا كله،

                                                              وهذا المذهب ضعيف من ثلاثة أوجه.

                                                              أحدها: أن شرط النسخ: المعارضة والتأخر، وكلاهما منتف في القيام على القبر بعد الدفن، وفي استمرار قيام المشيعين حتى توضع، وإنما يمكن دعوى النسخ في قيام القاعد الذي تمر به الجنازة على ما فيه.

                                                              الثاني: أن أحاديث القيام كثيرة صحيحة صريحة في معناها.

                                                              فمنها: حديث عامر بن ربيعة، وهو في الصحيحين، وفي بعض طرقه " إذا رأى أحدكم الجنازة فإن لم يكن ماشيا معها فليقم حتى تخلفه، أو توضع من قبل أن تخلفه "، وفي لفظ " إذا رأى أحدكم الجنازة فليقم حين يراها حتى تخلفه ".

                                                              ومنها: حديث أبي سعيد - وهو متفق عليه - ولفظهما " إذا اتبعتم جنازة فلا تجلسوا حتى توضع "، وفي لفظ لهما " إذا رأيتم الجنازة فقوموا، فمن تبعها فلا يجلس حتى توضع "، وهو دليل على القيام في المسألتين.

                                                              ومنها: حديث جابر في قيامه لجنازة يهودي، وهو في الصحيحين، [ ص: 364 ] وتعليله بأن ذلك كراهية أن تطوله تعليل باطل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم علل بخلافه.

                                                              وعنه في ذلك ثلاث علل.

                                                              إحداها: قوله " إن الموت فزع " ذكره مسلم في حديث جابر، وقال " إن الموت فزع فإذا رأيتم الجنازة فقوموا ".

                                                              الثانية: أنه قام للملائكة، كما روى النسائي عن أنس: " أن جنازة مرت برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام، فقيل: إنها جنازة يهودي، فقال: إنما قمنا للملائكة ".

                                                              الثالثة: التعليل بكونها نفسا، وهذا في الصحيحين من حديث قيس بن سعد وسهل بن حنيف قالا " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة، فقام، فقيل: إنه يهودي، فقال أليست نفسا ؟ " فهذه هي العلل الثابتة عنه.

                                                              وأما التعليل بأنه كراهية أن تطوله، فلم يأت في شيء من طرق هذا الحديث الصحيحة.

                                                              ولو قدر ثبوتها فهي ظن من الراوي، وتعليل النبي صلى الله عليه وسلم الذي ذكره بلفظه أولى.

                                                              فهذه الأحاديث مع كثرتها وصحتها كيف يقدم عليها حديث عبادة مع ضعفه ؟

                                                              وحديث علي وإن كان في صحيح مسلم، فهو حكاية فعل لا عموم له، وليس فيه لفظ عام يحتج به على النسخ، وإنما فيه " أنه قام وقعد "، وهذا [ ص: 365 ] يدل على أحد أمرين.

                                                              إما أن يكون كل منهما جائزا، والأمر بالقيام ليس على الوجوب، وهذا أولى من النسخ.

                                                              قال الإمام أحمد: إن قام لم أعبه، وإن قعد فلا بأس.

                                                              وقال القاضي وابن أبي موسى: القيام مستحب، ولم يرياه منسوخا.

                                                              وقال بالتخيير: إسحاق وعبد الملك بن حبيب وابن الماجشون.

                                                              وبه تأتلف الأدلة.

                                                              أو يدل على نسخ قيام القاعد الذي يمر عليه بالجنازة، دون استمرار قيام مشيعها، كما هو المعروف من مذهب أحمد عند أصحابه، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة.

                                                              الثالث: أن أحاديث القيام لفظ صريح، وأحاديث الترك إنما هو فعل محتمل لما ذكرنا من الأمرين، فدعوى النسخ غير بينة، والله أعلم.

                                                              وقد عمل الصحابة بالأمرين بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فقعد علي وأبو هريرة ومروان، وقام أبو سعيد، ولكن هذا في قيام التابع، والله أعلم.

                                                              [ ص: 366 ]



                                                              الخدمات العلمية