[ ص: 25 ] القول في قوله تعالى: والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا إلى قوله: أثاثا ومتاعا إلى حين [الآيات: 41- 80].
والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر وأنـزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نـزل إليهم ولعلهم يتفكرون أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرءوف رحيم أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون وله ما في السماوات والأرض وله الدين واصبا أفغير الله تتقون وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم تالله لتسألن عما كنتم تفترون ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون وإذا بشر .أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون [ ص: 26 ] ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم وما أنـزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون والله أنـزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآية لقوم يسمعون وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد .علم شيئا إن الله عليم قدير والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمت الله هم يكفرون ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم [ ص: 27 ] ولله غيب السماوات والأرض وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شيء قدير والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين .
الأحكام والنسخ:
قوله تعالى: ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا المعنى: ومن ثمرات النخيل والأعناب ما تتخذون منه سكرا، فحذف (ما) .
واختلف في (السكر) ، و(الرزق الحسن) ; فروي عن أن (السكر) : ما حرم من ثمرها، و(الرزق الحسن) : ما أحل منها، وروي ذلك عن ابن عباس: النخعي، وقالا: (السكر) : خمر، والآية على هذا منسوخة، وكذلك قال والشعبي، الآية منسوخة في (المائدة) ، و(السكر) : خمور الأعاجم، [ ص: 28 ] قال: و (الرزق الحسن) : ما تنبذون، وما تخللون، وتأكلون. قتادة:
وقيل: ليس ذلك بمنسوخ، وإنما هو خبر نزل قبل تحريم الخمر.
أبو عبيدة: (السكر) : الطعم، وقيل: (السكر) : ما سد الجوع، من قولهم: (سكرت النهر) ; إذا سددته.
وقوله تعالى: ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء الآية:
استدل بعض العلماء بهذه الآية على أن وعلى أن طلاق العبد بيد سيده، بيع الأمة طلاقها.
وقال قوم: لا دليل على ذلك في الآية; لأنها مثل مضروب للربوبية; يدل على ذلك قوله: ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون فلا تضربوا لله الأمثال [النحل: 73- 74]، وقوله في موضع آخر: ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم [الروم: 28]، وهذا مبسوط في ((الكبير)) ، ومختصر في التفسير.
وروي عن أن عبدا له طلق امرأته طلقتين، فأمره أن يرتجعها [ ص: 29 ] بملك اليمين، وكان ابن عباس: يرى عبده يتسرى في ماله، فلا يعيب ذلك عليه، وأجازه عبد الله بن عمر وغيره من العلماء; فهذا دليل على أنه يملك ما بيده، ويفعل فيه ما يفعل المالك في ملكه، ما لم ينتزعه سيده. مالك،
وقال الحسن، وغيرهما: لا يملك العبد. وابن سيرين،
وقوله: وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا الآية: هذه الآية مبيحة الانتفاع بجلود الأنعام، ولم يخص منها ما ذكي دون ما لم يذك، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في شاة ولم تكن مذكاة: لميمونة . ((إذا دبغ الإهاب; فقد طهر))
ومذهب مالك، والشافعي، وغيرهم: أن وأبي حنيفة، وما لم يذك منه، وما لا يؤكل لحمه; فليس [ ص: 30 ] جلده بطاهر وإن دبغ. كل ما يؤكل لحمه طاهر، وجلده بمنزلته إذا دبغ،
وأجاز بعض العلماء الانتفاع بالجلود كلها، واستدلوا بحديث ابن وعلة، عن عن النبي صلى الله عليه وسلم: ابن عباس، "أيما إهاب دبغ; فقد طهر".
وأشعار ما يؤكل لحمه في حكم الجلود; ينتفع به إذا غسل.